التّفسير
أوّل حكم بالجهاد:
ذكرت روايات أنّ المسلمين عندما كانوا في مكّة، كانوا يتعرّضون كثيراً لأذى المشركين، فجاء المسلمون إلى رسول الله ما بين مشجوج ومضروب يشكون إليه ما يُعانون من قهر وأذىً، فكان صلوات الله عليه وآله يقول لهم: "اصبروا فانّي لم اُؤمر بالقتال" حتّى هاجر، فأنزل الله عليه هذه الآية بالمدينة، وهي أوّل آية نزلت في القتال(1).
هناك إختلاف بين المفسّرين في كونها أوّل آية نزلت بالجهاد، فهناك مَن يؤيّد ذلك، وهناك من يرى أنّ أوّل آية نزلت في الجهاد هي آية (قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ..)(2) وعدّ البعض آية (إنّ الله إشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ..)(3) هي الأُولى(4).
إلاّ أنّ اُسلوب الآية يناسب هذا الموضوع بشكل أفضل لأنّ تعبير "إذن" جاء بصراحة واضحة فيها، ولم يرد في الآيتين الاُخريين، وبتعبير آخر: إنّ الإذن بالجهاد منحصر في هذه الآية.
ولمّا وعد الله المؤمنين بالدفاع عنهم في الآية السابقة يتّضح جيداً الإرتباط بين هذه الآيات .. تقول الآية: إنّ الله تعالى أذن لمن يتعرّض لقتال الأعداء وعدوانهم بالجهاد، وذلك بسبب أنّهم ظلموا: (أُذن للذين يقاتلون بأنّهم ظلموا) ثمّ أردفت بنصرة الله القادر للمؤمنين (وإنّ الله على نصرهم لقدير).
إنّ وعد الله بالنصر جاء مقروناً ب- "قدرة الله".
وهذا قد يكون إشارة إلى القدرة الإلهيّة التي تنجد الناس حينما ينهضون بأنفسهم للدفاع عن الإسلام، لا أن يجلسوا في بيوتهم بأمل مساعدة الله تعالى لهم، أو بتعبير آخر: عليكم بالجدّ والعمل بكلّ ما تستطيعون من قدرة، وعندما تستحقّون النصر بإخلاصكم ينجدكم الله وينصركم على أعدائه، وهذا ما حدث للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع حروبه التي كانت تتكلّل بالنصر.
﴿أُذِنَ﴾ وقرىء بالبناء للفاعل أي الله ﴿لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ المشركين وحذف المأذون فيه لدلالته عليه ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسبب أنهم ﴿ظُلِمُوا﴾ وهم المؤمنون كان المشركون يؤذونهم بضرب وغيره فيتظلمون إلى النبي فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجروا فأنزلت ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ عدة لهم بالنصر.