آخر الآية موضع البحث يبيّن الله تعالى كيفيّة عقاب الكفّار بجملة موجزة ذات دلالة واسعة (وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة) وأضافت الآية أنّ سقف بيوتها قد باتت أسفل البناء: (فهي خاوية على عروشها).
أي إنّ الواقعة كانت شديدة حتّى أنّ السقوف إنهارت أوّلا ثمّ الجدران على السقوف (وبئر معطّلة) فما أكثر الآبار الرويّة بمياهها العذبة، ولكنّها غارت في الأرض بعد هلاك أصحابها فأصبحت معطّلة لا نفع فيها.
(وقصر مشيد)(2) أجل ما أكثر القصور المشيدة التي إرتفعت شاهقة وزُينت، إلاّ أنّها أضحت خرائب بعد أن هلك أصحابها، والنتيجة إنّهم تركوا مساكنهم وقصورهم المجلّلة، وأهملوا مياههم وعيونهم التي كانت مصدر حياتهم وعمران أراضيهم وذهبوا.
وكذلك الآبار الغنيّة بالماء أصبحت معطّلة لا ماء فيها.
ملاحظة
ممّا يلفت النظر التّفسير الذي ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) حيث فسّروا (وبئر معطّلة) بالعلماء الذين لا يستفيد منهم المجتمع، فبقيت علومهم معطّلة.
فقد روي عن الإمام موسى بن جعفر (ع) في تفسير عبارة (وبئر معطّلة وقصر مشيد) قوله: "البئر المعطّلة الإمام الصامت، والقصر المشيد الإمام الناطق" وبهذا المعنى روي أيضاً عن الإمام الصادق (ع)(3).
وهذا التّفسير نوع من التشبيه (مثلما يشبه المهدي (عج) ناشر العدل في العالم بالماء المعيّن) أي إنّ الإمام عندما يستقرّ في دست الحكم يكون كالقصر المشيد، يجلب إنتباه الداني والبعيد ويكون ملجأً للجميع.
وإذا أبعد عن الحكم وتخلّى الناس عنه، إحتلّ مكانه من لا يستحقّه فيكون عندها كبئر إمتلأت ماءً، إلاّ أنّها معطّلة لا يستفاد منها فلا تروي عطشاناً ولا تسقي زرعاً.
ما أحسن ما أنشد الشاعر العربي:
بئر معطّلة وقصر مشرف ***** مثل لآل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لا يُرتقى ***** والبئر علمهم الذي لا ينزف(4)
﴿فَكَأَيِّن﴾ فكم ﴿مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ وقرىء أهلكتها ﴿وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ أي أهلها بالكفر حال ﴿فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ أي ساقطة حيطانها على سقوفها أو خالية مع بقاء سقوفها ﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ﴾ متروكة بموت أهلها ﴿وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾ مجصص أو مرفوع هلك أهله.