لهذا تستعرض الآية قدرة الله في عالم الوجود التي لا تنتهي، فتقول: (ذلك بأنّ الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) فما أن يقل من أحدهما حتّى يزداد في الآخر وفق نظام مدروس.
كلمة "يولج" مشتقّة من "الإيلاج" وهو في الأصل من الولوج أي الدخول.
وهذه العبارة - كما قلنا - تشير إلى التغييرات التدريجيّة المنظمّة تنظيماً تامّاً، كمسألة الليل والنهار، فما يقلّ أحدهما إلاّ ليزداد الآخر على مدى فصول السنة.
وربّما تكون إشارة إلى شروق الشمس وغروبها الذي لا يحدث فجأةً بسبب الظروف الجويّة الخاصّة (بالهواء المحيط بالأرض) حيث تمتدّ أشعّة الشمس في البداية نحو طبقات الهواء العليا، ثمّ تنتقل إلى الطبقات السفلى.
وكأنّ النهار يلج في الليل ويطرد جيش قوى الظلام.
وعكس ذلك ما يقع حين الغروب، حيث تلملم أشعّة الشمس خيوطها من الطبقات السفلى للأرض، فيسودها الظلام تدريجيّاً حتّى ينتهي آخر خيط من أشعّة الشمس ويسيطر جيش الظلام على الجميع.
ولولا هذه الظاهرة، فسيكون الشروق والغروب على حين غرّة، فيلحق الأذى بالإنسان جسماً وروحاً، ويحدث هذا التغيير السريع أيضاً مشاكل كثيرة في النظام الإجتماعي.
ولا مانع من إشارة الآية السالفة الذكر إلى هذين التّفسيرين.
وتنتهي الآية بـ(وإنّ الله سميع بصير) أجل، إنّ الله يلبّي حاجة المؤمنين، ويطّلع على حالهم وأعمالهم، ويعينهم برحمته عند اللزوم.
مثلما يطّلع على أعمال ومقاصد أعداء الحقّ.
﴿ذَلِكَ﴾ النصر ﴿بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ بسبب أنه القادر الذي من قدرته إدخال كل من الملوين في الآخر بالزيادة والنقصان ﴿وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ للأقوال ﴿بَصِيرٌ﴾ بالأفعال.