لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(يا أيّها النّاس) الخطاب في الآية الأُولى من هذه السّورة موجه إِلى كافة أفراد البشر، لأنّ محتويات هذه السورة - هي في الحقيقة - نفس الأُمور التي يحتاج إِليها كل أفراد البشر في حياتهم. ثمّ إِنّ الآية تدعو إِلى التقوى باعتبارها أساساً لأيّ برنامج إِصلاحي للمجتمع، فاداء الحقوق والتقسيم العادل للثروة، وحماية الأيتام، ورعاية الحقوق العائلية، وما شابه ذلك كلها من الأُمور التي لا تتحقق بدون التقوى، ولهذا تفتتح هذه السورة - التي تحتوي على جميع هذه الأُمور - بالدعوة إِلى التزام التقوى: (اتّقوا ربّكم). وللتعريف بالله الذي يراقب كلّ أعمال الإِنسان وتصرفاته أُشير في الآية إِلى واحدة من صفاته التي تعتبر أساساً للوحدة الإِجتماعية في عالم البشر: (الذي خلقكم من نفس واحدة). وعلى هذا الأساس لا مبرر للتمييز العنصري، واللغوي، والمحلي، والعشائري وما شابه ذلك ممّا يسبب في عالمنا الرّاهن آلافاً من المشاكل في المجتمعات. ولا مجال لهذه الأُمور وما يترتب عليها من الأمجاد الكاذبة والتفوق الموهوم في المجتمع الإِسلامي، لأنّ كافة البشر على اختلاف ألوانهم، ولغاتهم، وأقطارهم يرجعون إِلى أب واحد وأُمّ واحدة. وتتّضح أهمية مكافحة هذا الأمر - أكثر فأكثر - إِذا لاحظنا أنّ ذلك قد تمّ في زمن كان يعاني بقايا ورواسب نظام قبلي وعشائري ظالم، ونعني عصر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم). هذا وقد ورد نظير هذا التعبير في موارد أُخرى من القرآن الكريم أيضاً، وسنشير إِلى كل ذلك في موضعه. والآن يجب أن نرى من هو المقصود من \"نفس واحدة\"؟ هل المراد من \"نفس واحدة\" هو شخص معين، أو أنه واحد نوعي (أي جنس المذكر)؟ لا شك أنّ ظاهر هذا التعبير هو الشخص المعين، والواحد الشخصي، وهو إشارة إِلى أوّل إِنسان قد سمّاه القرآن الكريم بـ \"آدم\" ويعتبره أبا البشر. كما وقد عبر عن البشر ببني آدم في آيات كثيرة من القرآن الكريم. فاحتمال أن يكون المراد من نفس واحدة هو الواحد النوعي بعيد عن ظاهر الآية جدّاً. ثمّ أنّ قوله تعالى: (وخلق منها زوجها) قد فهم منها بعض المفسرين أن \"حواء\" قد خلقت من جسم آدم واستشهدوا لذلك بروايات وأحاديث غير معتبرة تقول: إنّ حواء خلقت من أضلاع آدم (وهو أمر قد صرّح به في سفر التكوين من التوراة أيضاً). لكن مع ملاحظة سائر الآيات القرآنية يرتفع كلّ إِبهام حول تفسير هذه الآية، ويتضح أن المراد منها هو أن الله سبحانه خلق زوجة آدم من جنسه (أي جنس البشر) ففي الآية (21) من سورة الروم نقرأ (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إِليها) كما نقرأ: في الآية (72) من سورة النّحل (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً). ومن الواضح أنّ معنى قوله تعالى: (خلق لكم من أنفسكم أزواجاً) هو أنهّ خلقهم من جنسكم لا أنّه خلقهن من أعضاء جسمكم. ووفقاً لرواية منقولة عن الإِمام محمّد الباقر(عليه السلام) كما في تفسير العياشي - أنه كذّب بشدّة فكرة خلق حواء من ضلع آدم، وصرح(عليه السلام) - بأنه خلقت من فضل الطينة التي خلق منها آدم. كيف كان زواج أبناء آدم؟: قال سبحانه: (يورثّ منهما رجالا كثيراً ونساءاً) هذه العبارة يستفاد منها أنّ انتشار نسل آدم، وتكاثره قد تمّ عن طريق آدم وحواء فقط، أي بدون أن يكون الموجود ثالث أي دخالة في ذلك. وبعبارة أُخرى أنّ النسل البشري الموجود إِنّما ينتهي إِلى آدم وزوجته من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أُنثى. وهذا يستلزم أن يكون أبناء آدم (أخوة وأخوات) قد تزاوجوا فيما بينهم، لأنه إِذا تمّ تكثير النسل البشري عن طريق تزوجهم بغيرهم لم يصدق ولم يصح قوله: \"منهما\". وقد ورد هذا الموضوع في أحاديث متعددة أيضاً، ولا داعي للتعجب والإِستغراب إِذ طبقاً للإِستدلال الذي جاء في طائفة من الأحاديث المنقولة عن أهل البيت(عليهم السلام) إِنّ هذا النوع من الزواج كان مباحاً حيث لم يرد بعد حكم بحرمة\"تزوج الأخ بأخته\". ومن البديهي أن حرمة شيء تتوقف على تحريم الله سبحانه له، فما الذي يمنع من أن توجب الضرورات الملحة والمصالح المعينة أن يبيح شيئاً في زمان، ويحرمه بعد ذلك في زمن آخر. غير أنّه قد صرّح في أحاديث أُخرى بأن أبناء آدم لم يتزوجوا بأخواتهم، وتحمل بشدّة على من يرى هذا الرأي ويذهب هذا المذهب. ولو كان علينا عند تعارض الأحاديث أن نرجح ما وافق منها ظاهر القرآن لوجب أن نختار الطائفة الأُولى، لأنها توافق ظاهر الآية الحاضرة كما عرفت قبل هذا. يثمّ أنّ هاهنا احتما آخر يقول: إن أبناء آدم تزوجوا بمن تبقى من البشر الذين سبقوا آدم ونسله، لأن آدم - حسب بعض الروايات - لم يكن أوّل إِنسان سكن الأرض. وقد كشفت الدراسات والتحقيقات العلمية اليوم أن النوع الإِنساني كان يعيش في الأرض منذ عهد ضارب في القدم، في حين لم يمر على تاريخ ظهور \"آدم\" في الأرض زمن طويل، فلابدّ إذن من القبول النظرية التي تقول: بأنّه كان يعيش في الأرض قبل آدم بشر آخرون قارن غياب آخر بقاياهم ظهور آدمنا، فما المانع من أن يكون \"أبناء آدم\" قد تزوجوا ببقايا النوع البشري السابق الذي كان في أواخر إنقراضه؟ ولكن هذا الإِحتمال هو أيضاً لا يتوافق وظاهر الآية الحاضرة (وهذا البحث يحتاج إِلى توسع أكثر لا يسعه هذا المجال). الدّعوة إِلى العناية بالرّحم: بعد ذكر ما بين أبناء النوع الإِنساني من وشيجة القربى قال سبحانه: (واتّقوا الله الذي تساءلون(1) به والأرحام). إنّ أهمية التقوى، ودورها في بناء قاعدة المجتمع الصالح سببت في أن تذكر مجدداً في نهاية الآية الحاضرة، وأن يدعو سبحانه الناس إِلى التزام التقوى، غاية الأمر أنّه تعالى أضاف إِليها جملة أُخرى إِذ قال: (اتّقوا الله الذي تساءلون به)أي اتقوا الله الذي هو عندكم عظيم، وتذكرون اسمه عندما تطلبون حقوقكم وحوائجكم فيما بينكم. ثمّ أنّه يقول: \"والأرحام\" وهو عطف على \"الله\"، ولهذا كانت القراءة المعروفة هي نصب \"والأرحام\" فيكون معناها: واتقوا الأرحام، ولا تقطعوا صلاتكم بهم. يإِنّ ذكر هذا الموضوع هنا يدل أوّ على الأهمية الفائقة التي يعطيها القرآن الكريم لمسألة الرحم ووشيجة القربى إِلى درجة أنّه يذكر اسم الأرحام بعد ذكر اسم الله سبحانه، وهو إِشارة - ثانياً - إِلى الأمر الذي ذكر في مطلع الآية، وهو أنكم جميعاً من أب واحد وأُمّ واحدة، وهذا يعني - في الحقيقة - أنّ جميع أبناء آدم أقرباء وأرحام، وهذا الإِرتباط والترابط يستوجب أن يتحاب الجميع ويتوادوا دون تفريق أو تمييز بين عنصر وآخر، وقبيلة وأُخرى، تماماً كما يتحاب أفراد القبيلة الواحدة. ثمّ يختم الآية بقوله: (إِنّ الله كان عليكم رقبياً). والرقيب أصله من الترقب، وهو الإِنتظار من مكان مرتفع، ثمّ استعمل بمعنى الحافظ والحارس، لأن الحراسة من لوازم الترقب والنظارة. وإرتفاع مكان الرقيب قد يكون من الناحية الظاهرية بكون الرقيب يرقب على مكان مرتفع، ويمارس النظارة من ذلك الموقع، وقد يكون من الناحية المعنوية. يقول سبحانه: (إِنّ الله كان عليكم رقيباً) أي أنّه يحصي عليكم نياتكم وأعمالكم، ويعلم بها ويراها جميعاً، كما أنه هو الذي يحفظكم أمام الحوادث (والتعبير بـ \"كان\" المفيد للماضي، إِنّما هو للتأكيد). ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ خطاب عام يفيد تكليف الكفار بالفروع ﴿اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ آدم ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ عطف على محذوف أي أنشأها وخلق منها من فضل طينتها أو من ضلعها أمكم أو على خلقكم أي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها أمكم ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء﴾ بيان لكيفية التولد منهما روي أن الله أنزل على آدم حوراء من الجنة فزوجها أحد ابنيه وتزوج الآخر ابنة الجان ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ﴾ يسأل بعضكم بعضا فيقول: أسألك بالله ﴿وَالأَرْحَامَ﴾ واتقوا الأرحام أن تقطعوه وهي أرحام الناس ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ حفيظا.