التّفسير
سُليمانُ في وادي النَمْلِ:
يستفاد من آيات هذه السورة، وآيات سورة سبأ أن "حكومة سليمان" لم تكن حكومةً مألوفة، بل حكومة مقرونة بما يخرق العادات والمعاجز المختلفة، التي ورد قسم منها في هذه السورة، والقسم الآخر ورد في سورة "سبأ" أمّا ما ورد في هذه السورة من الأُمور الخارقة للعادة "حكومة سليمان على الجن، والطير، وإدراكه كلام النمل، وكلامه مع الهدهد".
وفي الحقيقة فإنّ الله أظهر قدرته في هذه الحكومة وما سخّر لها من قوى، ونحن نعرف أن هذه الأُمور عند الله - في نظر الإنسان الموحّد - يسيرة وسهلة!.
وأوّل ما تبدأ هذه الآيات بقوله تعالى: (وحُشر لسليمانَ جنودُه من الجنّ والإنس والطير).
وكانت جنوده من الكثرة بحيث كانوا عند التحرك والمسير، ومن أجل المحافظة على النظم.
يؤمرون بتوقف مقدمة الجيش لتلحق بها مؤخرتها (فهم يوزعون).
"يُوزعون" من مادة (وزع) على وزن (جمَعَ) ومعناه الحبس والإيقاف، وهذا التعبير متى أُطلق على الجند أو الجيش فيعني إيقاف أوّل الجيش ليلحق به آخره، لكي يحفظ من التشتت والتفرق.
وكلمة "وزع" معناها الحرص والعلاقة الشديدة بالشيء، بحيث تمنع الإنسان عن الأُمور الأخرى.
ويستفاد من هذا التعبير أنّ جنودسليمان كانوا كثيرين، كما كانوا يخضعون للنظم والانضباط.
"وَحشر" فعل ماض من (الحشر) على وزن (نشر) ومعناه إخراج الجمع من المقرّ، والتحرك نحو الميدان للقتال، وما أشبه ذلك.
ويستفاد من هذا التعبير - والتعبير التالي في الآية الأُخرى أنّ سليمان(ع)كان قد جمع جنوده وحرّكهم نحو نقطة ما، لكن هذه النقطة أية نقطة هي؟ وأين كان يتجه سليمان؟ ليس ذلك معلوماً على وجه الدقّة.
واستفاد بعضهم من الآية التالية التي تتحدث عن وصول سليمان إلى وادي النمل، أنّها منطقة على مقربة من الطائف.
وقال بعضهم: بل هي منطقة على مقربة من "الشام".
وحيث أنّ هذا الموضوع لا تأثير له في الأُمور الأخلاقية والتربوية "للآية" لذلك لم تتطرق له الآية الكريمة.
وهناك - ضمناً - جدلٌ بين كثير من المفسّرين في أن الإنس والجن والطير، هل كانوا جميعاً من جنود سليمان؟ فتكون (من) في الآية بيانية، أو أن قسماً منهم كان يؤلف جيشه وجنوده فتكون (من) تبعيضية.. ويبدو أن هذا بحث لا طائل تحته... لأنّ سليمان - دون أدنى شك - لم يكن حاكماً على وجه البسيطة كلها، بل كانت منطقة نفوذه وحكومته منطقة الشام وبيت المقدس، وقد يدخل بعض ما حولهما تحت سلطته وحكومته!.
كما يستفاد من الآيات التالية أنّه لم تكن له بعدُ سلطة على اليمن أيضاً.. وإنّما صارت اليمن تحت نفوذه بعد قصّة الهدهد و"تسليم ملكة سبأ" وإذعانها له.
وجملة (وتفقد الطير) في الآيات التالية، تدلّ على أن هُدهداً واحداً كان ضمن الطير التي كانت تحت أمر سليمان، بحيث أنّه لما افتقده سأل عنه، فلو كانت الطيور جميعها تحت أمره وفيها آلاف الهداهد، لكان هذا التعبير غير صحيح "فتأملّوا بدقة".
﴿وَحُشِرَ﴾ وجمع ﴿لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ بحبس أولهم على آخرهم ليلاحقوا.