التّفسير
نور الايمان في قلب الملكة:
نواجه في هذه الآيات مشهداً آخر، ممّا جرى بين سلمان وملكة سبأ فسليمان من أجل أن يختبر عقل ملكة سبأ ودرايتها، ويهىء الجوّ لإيمانها بالله، أمر أن يغيروا عرشها وينكّروه فـ (قال نكّروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون).
وبالرغم من أن المجيء بعرشها من سبأ ا لى الشام كان كافياً لان لا تعرفه ببساطة.. ولكن مع ذلك فإنّ سليمان أمر أن يوجدوا تغييرات فيه، من قبيل تبديلبعض علاماته، أو تغيير ألوانه ومواضع مجوهراته، ولكن هذا السؤال: ما الهدف الذي كان سليمان(ع) يتوخّاه من اختبار عقل (ودراية) ملكة سبأ وذكائها؟لعل هذا الاختبار كان لمعرفة أي منطق يواجهها به؟ وكيف يأتي لها بدليل لإثبات المباني العقائدية؟
أو كان يفكر أن يتزوجها، وكان يريد أن يعرف هل هي جديرة بأن تكون زوجة له، أم لا؟.. أو أراد - واقعاً - أن يعهد لها بمسؤولية بعد ايمانها... فلابدّ من معرفة مقدار استعدادها لقبول المسؤولية!
وهناك تفسيران لجملة (أتهتدي) فقال بعضهم: المراد منها معرفة عرشها.
وقال بعضهم: المراد من هذه الجملة أنّها هل تهتدي إلى الله برؤية المعجزة، أو لا؟!
إلاّ أنّ الظاهر هو المعنى الأوّل، وإن كان المعنى الأوّل بنفسه مقدمة للمعنى الثّاني.
وعلى كل حال... فلمّا جاءت (قيل أهكذا عرشك) والظاهر أن القائل لها لم يكن سليمان نفسه، والاّ فلا يناسب التعبير بـ "قيل"، لأنّ اسم سليمان ورد قبل هذه الجملة وبعدها، وعُبّر عن كلامه بـ "قال".
أضف إلى ذلك أنّه لا يناسب مقام سليمان(ع) أن يبادرها بمثل هذا الكلام.
وعلى أي حال.
فإنّ ملكة سبأ أجابت جواباً دقيقاً و (قالت كأنّه هو).
فلو قالت: يشبه، لأخطأت.. ولو قالت: هو نفسه، لخالفت الإحتياط، لأنّ مجيء عرشها إلى أرض سليمان لم يكن مسألة ممكنة بالطرق الإعتيادية، إلاّ أن تكون معجزةً.
وقد جاء في التواريخ أن ملكة سبأ كانت قد أودعت عرشها الثمين في مكان محفوظ، وفي قصر مخصوص فيه غرفة عليها حرس كثير!
ومع كل ذلك فإنّ ملكة سبأ استطاعت أن تعرف عرشها رغم كل ما حصل لهمن تغييرات.. فقالت مباشرة: (وأوتينا العلم من قبلها وكنّا مسلمين).
أي، إذا كان مراد سليمان(ع) من هذه المقدمات هو اطلاعنا على معجزته لكي نؤمن به، فإنّنا كنّا نعرف حقانيته بعلائم أخر.. كنّا مؤمنين به حتى قبل رؤية هذا الأمر الخارق للعادة فلم تكن حاجة إلى هذا الامر.
﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ بتغيير هيئته اختبارا لعقلها ﴿نَنظُرْ أَتَهْتَدِي﴾ لمعرفته أو للجواب الصائب أو للإيمان ﴿أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾.