سبب النزول
كانت العرب في الجاهلية تورث الذكور دون الإِناث، وكانوا يعتقدون أنّه لا يرث من لا يطاعن بالرماح ولا يقدر على حمل السلاح، ولا يذود عن الحريم والمال، ولهذا كانوا يحرمون النساء والأطفال عن الإِرث، ويورثون الرجال الأباعد، ولو كان من الورثة من هو أقرب منهم.
حتى إِذا مات أنصاري يدعى "أوس بن ثابت" وقد ترك صغاراً من بنات وأولاد، فاقتسم أبناء عمومته "خالد" و"عرفجة" أمواله بينهم ولم يورثوا زوجته وأولاده الصغار من تركته أبداً، فشكت زوجته إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم يكن في ذلك حكم إِلى ذلك الحين، فنزلت هذه الآية فاستدعى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذينك الشخصين، وأمرهما بأن لا يتصرفا في أموال الأنصاري، وأن يتركا تلك الأموال إِلى ورثة الميت من الطبقة الأُولى وهم زوجته وأولاده، بانتظار أن تنزل آيات أُخرى توضح كيفية تقسيمها بين هؤلاء الورثة.
التّفسير
خطوة أُخرى لحفظ حقوق المرأة:
هذه الآية - في الحقيقة - خطوة أُخرى على طريق مكافحة العادات والأعراف الخاطئة التي تؤدي إِلى حرمان الأطفال والنساء من حقوقهم المسلَّمة الطبيعية، وعلى هذا الأساس تكون هذه الآية مكملة للأبحاث التي مرّت في الآيات السابقة، لأن العرب الجاهليين كانوا - حسب تقاليدهم وأعرافهم الظالمة - يمنعون النساء والصغار من حق الإِرث، ولا يسهمون لهم من المواريث، فأبطلت هذه الآية هذا التقليد الخاطىء الظالم إذ قال سبحانه: (للرجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر).
ثمّ قال سبحانه في ختام هذه الآية بغية التأكيد على الموضوع (نصيباً مفروضاً) حتى يقطع الطريق على كل تشكيك أو ترديد في هذا المجال.
يثمّ أنّ الآية الحاضرة - كما هو ملاحظ - تذكر حكماً عامّاً، وشام لجميع الموارد، ولهذا فإن ما يتصوره البعض من أنّ الأنبياء لا يورثون، أي أنّهم إِذا تركوا شيئاً من ثروة ومال لم يرثهم أقرباؤهم، خلاف الآية (طبعاً المقصود من الأموال التي يتركها النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي تلك الأموال الخاصّة به، وأمّا الأموال المتعلقة ببيت المال الذي هو من حق المسلمين عامّة، فالحكم الإِسلامي فيها هو صرفها في مواردها.
كما أنّه يتبيّن من إطلاق الآية الحاضرة والآيات الاُخرى التي تأتي في ما بعد حول الإرث أنّ القول بالتعصيب (وهو إعطاء شيء من التركة إِلى عصبة الميت وهم من ينتسبون إليه من طرف الأب، وذلك في بعض الموارد كما يذهب إليه علماء السنة) يخالف هو أيضاً ما جاء به القرآن الكريم من تعاليم في مجال الإِرث، لأن ذلك يستلزم حرمان النساء من الميراث في بعض الموارد، وهذا ضرب من التمييز الجاهلي الذي رفضه الإِسلام وأبطله بالآية الحاضرة والآيات المشابهة لها.
﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾ هم المتوارثون بالقرابة ﴿وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ﴾ بدل مما بتكرير العامل ﴿نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ واجبا كانت العرب في الجاهلية لا تورث البنات فرد الله عليهم.