ولا ريب أن ظهور "صالح" بمبادئه السامية قد ضيّق الخناق عليهم، ولذلك تقول الآية التالية في حقّهم: (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنّه وأهله ثمّ لنقولنّ لوليّه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون).
"تقاسموا" فعل أمر، أيّ اشتركوا جميعاً في اليمين، وتعهّدوا على هذه المؤامرة الكبرى تعهداً لا عودة فيه ولا انعطاف!.
الطريف أنّ أُولئك كانوا يقسمون بالله، ويعني هذا أنّهم كانوا يعتقدون بالله، مع أنّهم يعبدون الأصنام، وكانوا يبدأون باسمه في المسائل المهمّة.. كما يدل هذا الأمر على أنّهم كانوا في منتهى الغرور و"السكر" بحيث يقومون بهذه الجناية الكبرى على اسم الله وذكره!! فكأنّهم يريدون أن يقوموا بعبادة أو خدمة مقبولة... إلاّ أنّ هذا نهج الغافلين المغرورين الذين لا يعرفون الله والضالين عن الحق.
وكلمة "لنبيتنّه" مأخوذة من ـ"التبييت"، ومعناه الهجوم ليلا، وهذا التعبير يدلّ على أنّهم كانوا يخافون من جماعة صالح وأتباعه، ويستوحشون من قومه.. لذلك ومن أجل أن يحققوا هدفهم ولا يكونوا في الوقت ذاته مثار غضب أتباع صالح، اضطروا إلى أن يبيتوا الأمر، واتفقوا أن لو سألوهم عن مهلك النّبي - لأنّهم كانوا معروفين بمخالفته من قبل - حلفوا بأن لا علاقة لهم بذلك الأمر، ولم يشهدوا الحادثة أبداً.
جاء في التواريخ أن المؤامرة كانت بهذه الصورة، وهي أن جبلا كان في طرف المدينة وكان فيه غار يتعبّد فيه صالح، وكان يأتيه ليلا بعض الأحيان يعبد الله فيه ويتضرع إليه، فصمّموا على أن يكمنوا له هناك ليقتلوه عند مجيئه في الليل، ويحملوا على بيته بعد استشهاده ثمّ يعودوا إلى بيوتهم، وإذا سئلوا أظهروا جهلهم وعدم معرفتهم بالحادث.
فلمّا كمنوا في زاوية واختبأوا في ناحية من الجبل انثالت صخور من الجبل تهوي إلى الأرض، فهوت عليهم صخرة عظيمة فأهلكتهم في الحال!
﴿قَالُوا﴾ فيما بينهم ﴿تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ﴾ أمر أو خبر بدل أو حال بتقدير قد ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ﴾ بالنون على التكلم أي لنقتلن صالحا وقرىء بالتاء على خطاب بعضهم بعضا ﴿وَأَهْلَهُ﴾ ليلا ﴿ثُمَّ لَنَقُولَنَّ﴾ بالقراءتين ﴿لِوَلِيِّهِ﴾ لولي دمه ﴿مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ﴾ بضم الميم مصدر أو زمان أو مكان من أهلك ﴿وَ﴾ الحال ﴿إِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ إذ الشاهد غير المباشر بزعمهم.