السؤال الثّالث من هذه الأسئلة الخمسة التي تحكي عن محاورة ومحاكمةالمعنوية يتحدث عن حلّ المشكلات، وفتح الطرق الموصدة، وإجابة الدعاء، إذ تقول الآية التالية: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
أَجَلْ... عندما تُغلق جميع أبواب عالَم الأسباب بوجه الإنسان، ويبلغ النصل إلى العظم، ويغدو مضطراً حيراناً لا حيلة له، فإنّ الذي يحلّ المعضلة، ويفتح الأقفال، ويزيل السدود عن الطرق، وينثر في القلوب نور الأمل، ويفتح أبواب الرحمة بوجه الناس المتحيرين، هو الله لا غير!.
وحيث أنّ الناس يدركون هذه الحقيقة بالفطرة في اعماق نفوسهم جميعاً، فإنَّ المشركين حين يقعون بين امواج البحر المتلاطمة ينسون جميع معبوديهم ويتوجهون نحو لطف الله، كما يقول القرآن: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين)(5)
لذلك تضيف الآية قائلة: إنّه لا ينقذكم من هذه المآزق والشدائد فحسب، بل: (ويجعلكم خلفاء الأرض أاله مع اللّه) ولكنكم لا تتعضون بهذه الدلائل.. (قليلا ما تذكرون)(6).
وحول مفهوم المضطر، ومسألة استجابه الدعاء وشروطها، بحوث ستأتي في نهاية هذه الآيات!
والمراد من (خلفاء الأرض) لعله بمعنى "سكنة الأرض" وأصحابها.. لأنّ الله جعل الإنسان حاكماً على هذه الأرض، مبسوط اليد فيها بما أولاه من النعم وأسباب الرفاه والدعة والإطمئنان!.
ولا سيما حين يقع الإنسان في شدّة، فيغدو مضطراً ويتجه نحو خالقه الكريم - فيرفع بكرمه البلايا والموانع - فتستحكم أسس هذه الخلافة وهنا تتجلى العلاقة بين شطري الآية.
كما قد يكون المراد بهذا المعنى، وهو أنّ الله جعل ناموس الحياة أن يخلفَ قوم قوماً على الدوام، بحيث لو لم يكن هذا التناوب لم تغدُ الصورة متكاملة(7)!.
﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ المكروب الذي ألجأه الضر إلى الله بشرائط الدعاء ﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ يزيل من عباده ما يسوؤهم ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ﴾ أي فيها بتوارثكم سكناهم والتصرف فيها قرنا بعد قرن ﴿أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ أي تتذكرون نعمه تذكرا قليلا.