التفسير
لمّا كان البحث في آخر الآيات السابقة عن القيامة والبعث، فإن الآيات - محل البحث - تعالج هذه المسألة من جوانب شتى، فتجيب أولا على السؤال الذي يثيره المشركون دائماً، وهو قولهم: متى تقوم القيامة؟ و"متى هذا الوعد"؟! فتقول: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلاّ الله وما يشعرون أيّان يبعثون)!
لا شك أن علم الغيب - ومنه تاريخ وقوع القيامة - خاص بالله، إلاّ أنّه لا منافاة في أن يجعل الله بعض ذلك العلم عند من يشاء من عباده، كما نقرأ فيالآيتين (26) و(27) من سورة الجن (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول).
وبتعبير آخر فإنّ علم الغيب بالذات، وبصورته المستقلة والمطلقة غير المحدودة، خاصّ بالله سبحانه، وكل علوم الاخرين مُسترفدة من علمه تعالى.
ولكن مسألة تاريخ وقوع القيامة مستثناة من هذا الأمر أيضاً، ولا يعلم بها أحد "إلاّ الله"(1).
﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ من الملائكة والثقلين ﴿الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ متصل وأريد بمن فيهما من تعلق علمه بهما ولو إجمالا لا من فيهما حقيقة ليعلم الله وأولو العلم من خلقه بالتشكيك كالعالم والرحيم فليس فيه سوء أدب بإبهام التسوية بينه تعالى وبينهم أو منقطع ورفع مستثناه على لغة تميم والمعنى إن كان الله ممن فيهما ففيهما من يعلم الغيب لكنه ليس منهم فلا يعلمونه وفيه أن استثناء نقيض المقدم لا ينتج فلا يلزم من امتناع كونه تعالى ممن فيهما عدم علمه الغيب ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ﴾ متى ﴿يُبْعَثُونَ﴾.