ثمّ تشير الآيات إلى علامة أُخرى من علامات القيامة، فتقول: (ويوم نحشر من كل أمّة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون).
"والحشر" معناه إخراج جماعة ما من مقرّها والسير بها نحو ميدان الحرب أو غيره! و"الفوج"، كما يقول الراغب في المفردات: الجماعة التي تتحرك بسرعة.
وأمّا "يوزعون" فمعناه حبس الجماعة وإيقافها حتى يلحق الآخر منها بالأوّل.. وهذا التعبير يطلق - عادة - على الجماعات الكثيرة، نظير ما قرأنا فيشأن جنود سليمان في هذه السورة ذاتها.
فبناءً على هذا يستفاد من مجموع الآية أن يوماً سوف سيأتي يحشر الله فيه من كل أُمّة جماعة، ويهيؤهم للحساب والجزاء على أعمالهم!.
والكثير من الأعاظم يعتقدون بأنّ هذه الآية تشير إلى مسألة الرجعة وعودة جماعة من الصالحين وجماعة من الطالحين إلى هذه الدنيا قبيل يوم القيامة.. لأنّ التعبير لو كان عن القيامة لم يكن قوله "نحشر من كل أُمّة فوجاً" صحيحاً.. إذ في القيامة يكون الحشر عاماً للجميع، كما جاء في الآية (47) من سورة الكهف قوله تعالى: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً).
والشاهد الآخر على أنّ الآيات هذه تتحدث عمّا يقع قبيل القيامة، هو أن الآيات التي قبلها كانت تتحدث عن الحوادث التي تقع قبل القيامة، والآيات التي تلي الآيات محل البحث تتحدث عن الحوادث التي تقع قبيل القيامة أيضاً... فمن البعيد أن تتحدث الآيات السابقة واللاحقة عن ما يقع قبل القيامة، وهذه الآيات محل البحث - فقط - تتحدث عن ما يقع في يوم القيامة.
وهناك روايات كثيرة في هذا الصدد عن مسألة الرجعة سنتناولها في البحوث القادمة إن شاء الله، إلاّ أن المفسّرين من أهل السنة يعتقدون أن الآية ناظرة إلى يوم القيامة، وقالوا: إنّ المراد بالفوج هو إشارة إلى رؤساء الجماعات وأئمتهم! وأمّا عدم الإنسجام بين الآيات الذي يُحدثه هذا التّفسير، فقالوا: إنّ الآيات بحكم التأخير والتقديم، فكأن الآية (83) حقّها أن تقع بعد الآية (85).
إلاّ أنّنا نعلم أن تفسير الفوج بالمعنى الآنف الذكر خلاف الظاهر، وكذلك عدم انسجام الآيات بأنّها في حكم التأخير والتقديم هو خلاف الظاهر أيضاً.
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ﴾ من للتبعيض ﴿فَوْجًا﴾ جماعة ﴿مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا﴾ بيان للفوج وهم رؤساؤهم وقادتهم ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ يحبس أولهم على آخرهم ليجتمعوا وفسرت في الأخبار بالرجعة وأما الحشر الأكبر فقوله وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا.