والآية التالية تتحدث عن مشاهد القيامة ومقدماتها، فتقول: (و) اذكر (يوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله وكلّ أتوه داخرين) أي خاضعين.
ويستفاد من مجموع آيات القرآن أنّ النفخ في الصور يقع مرّتين أو ثلاث مرات.
فالمرّة الأُولى يقع النفخ في الصور عند نهاية الدنيا وبين يدي القيامة! وبها يفزع من في السماوات والأرض إلاّ من شاء الله!
والثّانية "عند النفخ" يموت الجميع من سماع الصيحة، ولعل هاتين النفختين واحدة.
والمرّة الثّالثة ينفخ في الصور عند البعث وقيام القيامة.. إذ يحيا الموتى جميعاً بهذه النفخة، وتبدأ الحياة الجديدة معها.
وهناك كلام بين المفسّرين إلى أنّ الآية محل البحث هل تشير إلى النفخة الأُولى أم الثّانية أم الثّالثة؟!.. القرائن الموجودة في الآية وما بعدها من الآيات تنطبق على النفختين، وقيل: بل هي تشمل الجميع.
إلاّ أن الظاهر من الآية يدل على أن النفخة هنا إشارة إلى النفخة الأُولى التيتقع في نهاية الدنيا، لأنّ التعبير بـ (فزع) وهو يعني الخوف أو الإستيحاش الذي يستوعب جميع القلوب، يعدّ من آثار هذه النفخة... ونعلم أن الفزع في يوم القيامة هو بسبب الأعمال لا من أثر النفخة!.
وبتعبير آخر: إن ظاهر "فاء" التفريع في "ففزغ" أن الفزع ناشىء من النفخة في الصور، وهذا خاص بالنفخة الأولى، لأنّ النفخة الأخيرة ليست لا تثير الفزع فحسب، بل هي مدعاة للحياة والحركة، وإذا حصلت حالة فهي من أعمال الإنسان نفسه!.
وأمّا ما المراد بالنفخ في الصور، ؟هناك كلام طويل بين المفسّرين سنتناوله في ذيل الآية (68) من سورة "الزمر" بإذن الله!.
وأمّا جملة (إلاّ من شاء الله) المذكورة للإستثناء من الفزع العام، فهي إشارة للمؤمنين الصالحين سواءً كانوا من الملائكة أو سائر المؤمنين في السماوات والأرض، فهم في اطمئنان خاص! لا تفزعهم النفخة في الصور الأُولى ولا الأُخرى.. إذ نقرأ في الآيات التي تلي هذه الآيات قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون).
وأمّا جملة (وكل أتوه داخرين) فظاهرها عامٌ وليس فيه أي استثناء، حتى الأنبياء والأولياء يخضعون لله ويذعنون لمشيئته، وإذا ما لاحظنا قوله تعالى في الآية (127) من سورة الصافات: (فإنّهم لمحضرون إلاّ عباد الله المخلصين)، فلا منافاة بينها وبين عموم الآية محل البحث، فالآية محل البحث إشارة إلى أصل الحضور في المحشر، وأمّا الثّانية فهي إشارة إلى الحضور للمحاسبة ومشاهدة الأعمال!.
﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ﴾ عند النفخة الأولى وعبر بالماضي لتحقق وقوعه ﴿إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ﴾ ممن ثبت قلبه وهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وقيل الشهداء ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ صاغرين.