ثمّ يتحدث القرآن عن الطائفة الأُخرى التي تقابل أصحاب الحسنات فتقول: (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النّار).
وليس لهذه الطائفة أيّ توقع غيرها (هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون).
و "كُبّت" مأخوذ من "كبّ" على وزن "جدّ" ومعناه في الأصل إلقاء الشيء على وجهه على الأرض، فبناء على هذا فإنّ ذكر "وجوههم" في الآية هو من باب التوكيد!.
وإلقاء هذه الطائفة على وجوهها في النّار من أسوأ أنواع العذاب.
إضافة إلى ذلك، فإنّ أُولئك حين كانوا يواجهون الحقّ يُلوون وجوههم ورؤوسهم، وكانوا يواجهون الذنوب بتلك الوجوه فرحين... فالآن لابدّ أن - يبتلوا بمثل هذا العذاب.
وجملة (هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون) لعلها جواب على سؤال يلقى هنا، وهو ما لو قيل: إنّ هذا الجزاء "العقاب" شديد، فيجاب: بأنّ هذا الجزاء إن هو إلاّ عملك في الدنيا، فهل تجزون إلاّ ما كنتم تعلمون "فلاحظوا بدقة".
ثمّ يوجه الخطاب للنبي(ص) في الآيات الثلاث من آخر هذه السورة، ويؤكّد له هذه الحقيقة وهي أن يخبر أُولئك المشركين بأن عليه أن يؤدي رسالته ووظيفته... سواءً آمنتم أم لم تؤمنوا؟!
فتقول الآية الأُولى من هذه الآيات: (إنّما أُمرت أن أعبد ربّ هذه البلدة).
هذه البلدة المقدسة التي يتلخّص كل وجودكم وشرفكم بها... البلدة المقدسة التي كرمها الله وكرّمكم بما أنزل فيها من البركات.. إلاّ أنّكم بدل أن تشكروا نعمة الله كفرتم بها!
البلدة المقدسة التي هي حرم أمن اللّه، وأشرف بقعة على وجه الأرض، وأقدم معبد للتوحيد!
أجل... أعبد ربّ هذه البلدة المقدسة (الذي حرمها) وجعل لها خصائص وأحكاماً وحرمةً، وأموراً أُخر لا تتمتع بها أية بلدة أُخرى في الأرض!.
لكن لا تتصوروا أن هذه البلدة وحدها لله، بل له كل شي في عالم الوجود (وله كل شيء).
والأمر الثّاني الذي أمرت به هو أن أسلم وجهي له (وأُمرت أن أكون من المسلمين).
وهكذا فإن الآية بيّنت وظيفتين أساسيتين على النّبي وهما (عبادة الواحد الأحد، والتسليم المطلق لأمره).
﴿وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ﴾ قيل بالشرك ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ ألقوا فيها منكوسين وعبر بالوجوه عن ذواتهم ويقال لهم ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وعن علي (عليه السلام) في الآية الحسنة حبنا أهل البيت والسيئة بغضنا قل لهم.