لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
بعد بيان هذه الصفات الحميدة، بيّنت الآية التالية حصيلة هذه الصفات فقالت: (اُولئك هم الوارثون). اُولئك الذين يرثون الفردوس ومنازل عالية وحياة خالدة (الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون). "الفردوس" - على قول - هي مفردة رومية. وذهب آخرون إلى أنّها عربية، وقيل فارسية بمعنى "البستان". أو بستان خاص إجتمعت فيه جميع تسميتها بالجنّة العالية، وأفضل البساتين. ويمكن أن تكون عبارة "يرثون" إشارة إلى نيل المؤمنين لها دون تعب مثلما يحصل الوارث الإرث دون تعب. وصحيح أنّ الإنسان يبذل جهوداً واسعة ويضحّي بوقته ويسلب راحته في بناء ذاته والتقرّب إلى الله، إلاّ أنّ هذا الجزاء الجميل أكثر بكثير من قدر هذه الأعمال البسيطة، وكأنّ المؤمن ينال الفردوس دون تعب ومشقّة. كما يجب ملاحظة حديث روي عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) "ما منكم من أحد إلاّ وله منزلان: منزل في الجنّة، ومنزل في النّار، فإن مات ودخل النّار ورث أهل الجنّة منزله". كما يمكن أن تكون عبارة "يرثون" في الآية السابقة إشارة إلى حصيلة عمل المؤمنين، فهي كالميراث يرثونه في الختام، وعلى كلّ حال فإنّ هذه المنزلة العالية - حسب ظاهر الآيات المذكورة أعلاه - خاصّة بالمؤمنين الذين لهم هذه الصفات، ونجد أهل الجنّة الآخرين في منازل أقلّ أهميّة من هؤلاء المؤمنين. ملاحظات 1 - إختيار الفعل الماضي "أفلح" لنجاح المؤمنين، تأكيد أقوى، أي إنّ نجاحهم طبيعي وكأنّه تحقّق من قبل. وجاءت كلمة (قد) أيضاً لتأكيد هذا الموضوع ثانية. وجاءت عبارات (خاشعون) و (معرضون) و (راعون) و (يحافظون) بصيغة اسم فاعل أو فعل مضارع دليلا على أنّ هذه الصفات البارزة ليست مؤقتة في المؤمنين الحقيقيين، بل هي دائمة فيهم. 2 - الزوجة الدائمة والمؤقتة يستفاد من الآيات المذكورة أعلاه على أنّ هناك نوعين من النساء يجوز الدخول بهما: الأُولى الزوجات، والثّانية الجواري (بشروط خاصّة)، لهذا إستندت الكتب الفقهيّة على هذه الآية في مواضيع عديدة خلال بحث النكاح. ولكن بعض المفسّرين والفقهاء من أهل السنّة حاولوا الإستفادة من هذه الآية في إثبات حرمة الزواج المؤقت. ومع ملاحظة هذه الحقيقة، وهي أنّ من الثابت المسلّم به هو أنّ الزواج المؤقت (المتعة) كان حلالا على عهد الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينكره أحد من المسلمين، إلاّ أنّ البعض يرى أنّه كان في صدر الإسلام وعمل به الكثير من الصحابة، إلاّ أنّه نسخ، وقال آخرون: إنّ عمر بن الخطاب منعه. ومفهوم كلام هذه المجموعة من المفسّرين السنّة - بعد ملاحظة هذه الحقائق - هو أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (والعياذ بالله) أجاز الزنا في أقلّ تقدير لفترة محدّدة، وهذا غير صحيح أبداً. إضافةً إلى أنّ "المتعة" خلافاً لتصوّر هؤلاء، هي نوع من الزواج المؤقت بمعظم شروط الزواج الدائم، وعلى هذا فإنّ عبارة: (إلاّ على أزواجهم) هي بالتأكيد تتضمنّه. ولهذا السبب تستخدم صيغ الزواج الدائم (أنكحت وزوّجت) مع ذكر مدّة الزواج عند قراءة صيغة الزواج المؤقت، وهذا خير دليل على كون المتعة زواجاً. وقد بيّنا بالتفصيل الاُمور المتعلّقة بالزواج المؤقت وأدلّته الشرعيّة في الإسلام، وعدم نسخ هذا الحكم الإلهي، وكذلك فلسفته الإجتماعية، في تفسير الآية (24) من سورة النساء. 3 - الخشوع روح الصلاة إذا اعتبر الركوع والسجود والقراءة والتسبيح جسم الصلاة، فالتوجّه الباطني إلى حقيقة الصلاة، وإلى من يناجيه المصلّي، هو روح الصلاة. والخشوع ما هو إلاّ توجّه باطني مع تواضع. وعلى هذا يتبيّن أنّ المؤمنين لا ينظرون إلى الصلاة كجسم بلا روح، بل إنّ جميع توجّههم إلى حقيقة الصلاة وباطنها. وهناك عدد كبير من الناس يودّ بشوق بالغ أن يكون خاشعاً في صلاته، إلاّ أنّه لا يتمكّن من تحقيق ذلك. ولتحقيق الخشوع والتوجّه التامّ إلى الله في الصلاة وفي سائر العبادات، أُوصي بما يلي: 1 - نيل معرفة تجعل الدنيا في عين المرء صغيرة تافهة، وتجعل الله كبيراً عظيماً، حتّى لا تشغله الدنيا بما فيها عن الذوبان في الله عند مناجاته وعبادته. 2 - الإهتمام بالاُمور المختلفة يمنع الإنسان من تركيز أفكاره وحواسّه، وكلّما تمكّن الإنسان من التخلّص من مشاغله حصل على توجّه إلى الله في العبادة. 3 - إختيار مكان الصلاة وسائر العبادات له أثر كبير في هذه المسألة، لهذا فإنّ الصلاة مع إنشغال البال بغيرها تعدّ مكروهة، وكذلك في موضع مرور الناس أو قبال المرآة والصورة، ولهذا الأسباب تكون المساجد الإسلامية أفضل إن كانت أبسط بناءً وأقلّ زخرفة واُبّهة، ليكون التوجّه كلّه لله فاطر السموات والأرض. 4 - إجتناب المعاصي عامل مؤثّر في التوجّه إلى الله، لأنّ المعصية والذنب تبعد الشقّة بين قلب المسلم وخالقه. 5 - معرفة معنى الصلاة وفلسفة حركاتها والذكر عامل مؤثّر كبير على ذلك. 6 - ويساعد على ذلك أداء المستحبّات، سواء كانت قبل الدخول في الصلاة أو في أثنائها. 7 - وعلى كلّ حال فإنّ هذا العمل هو كبقيّة الأعمال الاُخرى يحتاج إلى تمرين متواصل، ويحدث كثيراً أن يحصل الإنسان على قدرة التركيز الفكري في لحظة من لحظات الصلاة، وبمواصلة هذا العمل ومتابعته يحصل على قدرة ذاتية يمكنه بها إغلاق أبواب فكره في أثناء الصلاة إلاّ على خالقه (فتأمّلوا جيداً). ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ دون غيرهم.