والآية التالية تبيّن أسباب الوصول إلى هذين الهدفين فتقول: (وأن أتلوا القرآن).
أتلوه فأستضيء بنوره، وأنتهل من عذب معينه الذي يهب الحياة! وأن أعول في جميع مناهجي على هديه.
أجل.. فالقرآن وسيلتي للوصول إلى هذين الهدفين المقدسين، والمواجهة لكل أنواع الشرك والإنحراف والضلال ومكافحتها، ثمّ تعقب الآية لتحكي عن لسان الرسول وهو يخاطب قومه: لا تتصوروا أنّكم إذا آمنتم انتفعت من وراء ذلك لنفسي، كما أن الله غني عنكم، بل (فمن اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه).
وكل ما يترتب على الهداية من منافع دنيوية، كانت أم أخروية فهي عائدة للمهتدي نفسه والعكس صحيح (ومن ضلّ فقل إنّما أنا من المنذرين).
وعواقبه الوخيمة لا تصيبُني... فوظيفتي البلاغ والإنذار وإراءة سبيل الحق، والإصرار على أن تسلكوا سبيل الحق، إلاّ أنّ من أراد أن يبقى في طريق الضلال، فإنّما يشقى وحده، فيكون من الخاسرين.
الطريف أنّ القرآن يقول في شأن الهداية: (ومن اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه)ولكنّه لا يقول في شأن الضلال: ومن ضل فضرره عليه، بل يقول: (فقل إنّما أنا من المنذرين).
وهذا الإختلاف في التعبير لعله إشارة إلى أنّ النّبي(ع) يقول: إنّي لا أسكت بوجه الضالين أبداً، ولاأتركهم على حالهم، بل أظلّ أنذرهم وأواصل الإنذار ولا أعيا عن ذلك، لأنني من المنذرين (بالطبع هناك آيات وردت في القرآن في شأن الهداية والضلالة، وفيها التعبير "لنفسه وعليها" للموضوعين... كقوله تعالى: (من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضل فعليها) لكننا نعلم أنّ هذا الإختلاف في التعبيرات منسجم مع اختلاف المقامات، وربّما جاء لإلقاء المعاني المختلفة والمتفاوتة)!
والجدير بالذكر أنّ هذه السورة شرعت ببيان أهمية القرآن، وإنتهت بالأمر بتلاوته، فبدايتها ونهايتها عن القرآن.
﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ﴾ عليكم أدعوكم إلى ما فيه أو أتبعه ﴿فَمَنِ اهْتَدَى﴾ بإجابته لي في ذلك ﴿فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ لعود نفعه إليه ﴿وَمَن ضَلَّ﴾ بترك الإجابة ﴿فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ فما علي إلا الإنذار.