ولكنّه كان على كل حال مظلوماً في قبضة الظالمين (وسواء كان مقصراً في المقدمات أم لا) فعلى موسى(ع) أنّ يعينه وينصره ولا يتركه وحيداً في الميدان، فلمّا أن أراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما صاح ذلك القبطي: (ياموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس) ويبدو من عملك هذا أنّك لست إنساناً منصفاً (ان تريد إلاّ أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين)(3).
وهذه العبارة تدلّ بوضوح على أن موسى(ع) كان في نيّته الإصلاح من قبل، سواءً في قصر فرعون أو خارجه، ونقرأ في بعض الرّوايات أن موسى(ع) كانت له مشادات كلامية مع فرعون في هذا الصدد، لذا فإن القبطي يقول لموسى: أنت كل يوم تريد أن تقتل إنساناً، فأىّ إصلاح هذا الذي تريده أنت؟! في حين أن موسى(ع) لو كان يقتل هذا الجبار، لكان يخطو خطوة أُخرى في طريق الإصلاح.. وعلى كل حال فإنّ موسى التفت إلى أن ما حدث بالأمس قد انتشر خبره، ومن أجل أن لا تتسع دائرة المشاكل لموسى فإنّه أمسك عن قتل الفرعوني في هذا اليوم.
﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا﴾ لموسى والإسرائيلي ﴿قَالَ﴾ الإسرائيلي ظانا أن يبطش به لوصفه إياه بالغواية ﴿يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ أو قاله القبطي إذ أحس مما قاله أنه القاتل للقبطي بالأمس لهذا الإسرائيلي ﴿إِن﴾ ما ﴿تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾ عاليا بالقتل والظلم ﴿وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ بين الناس فانتشر الحديث فبلغ فرعون فأمر بطلبه وقتله.