التفسير
موسى في دار شعيب:
هذا هو المقطع السادس من قصّة حياة موسى(ع) المثيرة، جاء موسى إلى منزل شعيب، منزل قرويّ بسيط، منزل نظيف ومليء بالروحيّة العالية، وبعد أن قصّ عليه قصّته، بادرت إحدى بنتي شعيب بالقول - وبعبارة موجزة -: إنّني أقترح أن تستأجره لحفظ الأغنام ورعايتها: و(قالت يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويُّ الأمين).
هذه البنت التي تربّت في حجر النّبي الكبير، ينبغي أن تتحدث بمثل هذاالحديث الوجيز الكريم، وأن تؤدي الكلام حقّه بأقلّ العبارات.
تُرى من أين عرفت هذه البنت أنّ هذا الشاب قويُّ وأمين أيضاً؟ مع أنّها لم تره الاّ لأوّل مرّة على البئر، ولم تتّضح لها سوابق حياته!
والجواب على هذا السؤال واضح وجليّ.. إذ لاحظت قوته وهو يُنحيّ الرعاء عن البئر ويملأ القربة الثقيلة لوحده ويطالب بحق المظلوم، وأمّا أمانته وصدقه فقد اتّضحا لها منذ أن سارت أمامه إلى بيت أبيها، فطلب منها أن تتأخر ويتقدمها، لئلا تضرب الريح ثيابها!.
أضف إلى ذلك.. من خلال نقله قصته لشعيب فقد اتّضحت قوته في دفعه القبطي عن الإسرائيلي وقتله إيّاه بضربة واحدة.. وأمانته وصدقه.. في عدم مساومته الجبابرة.
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا﴾ وهي المرسلة ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ لرعي الغنم ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ حث بليغ على استئجاره إذ عللته بهما على جهة المثل ولم تقل لقوته وأمانته وجعلت خيرا اسما ودلت بالماضي على أنه أمر قد عرف منه.