ولمزيد التأكيد يصور القرآن صورتهم وماهيتهم في الدنيا والآخرة! (واتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة هم من المقبوحين!) (3) لعنة الله معناها طردهم من رحمته، ولعنة الملائكة والمؤمنين هي الدعاء عليهم صباحاً ومساءً.. وفي كل وقت.
وأحياناً تشملهم اللعنة العامة.
وأحياناً يأتي اللعن خاصّة لبعضهم.
حيث أنّ كل من يتصفح تأريخهم يلعنهم، ويتنفّر من أعمالهم.
وعلى كل حال فإنّ سوء أعمالهم في هذه الدنيا، هو الذي قبّح وجوههم في الدار الآخرة "يوم القيامة"، لأنّه يوم البروز ويوم هتك الحُجب.
ملاحظة!
أئمّة "النّور" وأئمّة "النّار"
هناك طائفتان من الأئمة في منطق القرآن الكريم، فأئمة للمتقين يهدونهم إلى الخيرات، كما ورد في شأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: (وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)(4).
فهؤلاء أئمّة أصحاب مناهج واضحة، لأنّ التوحيد الخالص والدعوة إلى الخير والعمل الصالح والحق والعدالة، تشكّل متن مناهجهم.. فهم أئمّة النور، وخطهم متصل بسلسلة الأنبياء والأوصياء إلى خاتم النّبيين محمّد(ص)وأوصيائه ع.
وهناك أئمّة للضلال.. وقد عبّرت عنهم الآيات محل البحث بأنّهم: (أئمّة يدعون إلى النّار)!.
ومن خصائص هاتين الطائفتين من الأئمّة، كما ورد عن الإمام الصادق(ع)مايلي: "إنّ الأئمّة في كتاب الله إمامان، قال الله تبارك وتعالى: (وجلعناهم أئمّة يهدون بأمرنا)لا بأمر الناس يقدمون أمر اللّه قبل أمرهم، وحكم الله قبل حكمهم، قال: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النّار) يقدمون أمرهم قبل أمر الله، وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف كتاب الله"(5).
وبهذا المعيار يتّضح معرفة هاتين الطائفتين من الأئمة..ففي يوم القيامة الذي تتمايز فيه الصفوف، كل جماعة تمضي خلف إمامها، فأهل النار إلى النّار، وأهل الجنّة إلى الجنّة.. كما يقول القرآن الكريم: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم)(6).
وقلنا مراراً: إنّ يوم القيامة تجسم عظيم عن هذا العالم "الصغير" وأُولئك الذين ارتبطوا بإمام معين واقتفوا أثره، فهم سائرون خلفه هناك أيضاً.
ينقل "بشر بن غالب" عن الإمام أبي عبدالله الحسين(ع) أنّه سأله عن تفسير الآية (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) فقال(ع): "إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنّة، وهؤلاء في النّار.. وهو قوله عزّوجلّ (فريق في الجنّة وفريق في السعير)(7).
من الطريف أن فرعون ا لذي تقدّم قومه في هذه الدنيا وأغرقهم بمعيّته في أمواج النيل، يقدم قومه يوم القيامة - أيضاً - يخزيهم بمعيته في نار جهنم، إذ يقول القرآن في شأنه: (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النّار وبئس الورد المورود).(8)
ونختم هذا البحث بحديث الإمام علي(ع) في شأن المنافقين حيث يقول(ع): "ثمّ بقوا بعده فتقربوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النّار بالزور والبهتان، فولّوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس"(9).
﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ إبعادا من الرحمة ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ المبعدين أو المشوهين الخلقة.