لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ومن أجل أن لا يعتقد المرء بأنّ الموت نهاية كلّ شيء، تقول الآية: (ثمّ إنّكم يوم القيامة تبعثون) أي إنّ خلقكم بهذه الصورة المدهشة لم يكن عبثاً أو لتعيشوا أيّاماً معدودات، فتضيف الآية أنّكم ستبعثون يوم القيامة في مستوى أعلى وفي عالم أوسع. بحوث 1 - اتّباع المبدأ والمعاد بدليل واحد إستخدمت الآيات المذكورة أعلاه لإثبات وجود الله وقدرته وعظمته نفس الدليل الذي إستخدمته سورة الحجّ لإثبات المعاد، وهو مسألة المراحل المختلفة لخلق الإنسان في عالم الجنين. كما إنتقلت آخر هذه الآيات إلى بحث مسألة المعاد(3). أجل، يمكن أن تعرف عظمة الله في خلق الإنسان في ظلمات الرحم، وإتّخاذه في كلّ مرحلة صورة جديدة مدهشة، وكأنّ عشرات الأشخاص من رسّامين وصنّاع مبدعين التفّوا حول هذه القطرة من الماء، وعملوا ليل نهار ليخرجوها بهذه الصورة البديعة، ولتمرّ من صورة إلى أُخرى أبدع، حتّى تمرّ في مختلف مراحل الحياة. وإذا تمكّنا من تصوير مراحل نمو الجنين بشكل كامل في فيلم سينمائي، وعرضناها لَفَهِمنا مدى العجائب التي تكمن في هذا العمل. وبتقدّم علم الجنين في عصرنا ودراسات العلماء وتجاربهم المختبرية على هذا الأمر، اتّضحت الكثير من الغوامض التي عندما يطّلع عليها المرء يصرخ دون إرادته (فتبارك الله أحسن الخالقين) هذا من جهة. ومن جهة ثانية نلاحظ الخلق المتعاقب وإتّخاذه صورة جديدة في كلّ مرحلة، وبالتالي ظهور إنسان للوجود كامل الخلق من تلك القطرة الصغيرة من الماء .. كلّ ذلك يدلّ على قدرة الله على بعث الإنسان ثانية إلى الحياة. وبهذا يمكن البرهنة بدليل واحد على مسألتين(4). 2 - آخر مرحلة في تكامل جنين الإنسان في الرحم ممّا يلفت النظر إستخدام الآيات السابقة لمراحل الجنين الخمسة تعبير "الخلق"، في حين إستخدمت كلمة "الإنشاء" لآخر مرحلة، وكما ذكر اللغويون فإنّ كلمة "الإنشاء" تعني (خلق الشيء مع تربيته) وهذا التعبير يدلّ على إختلاف هذه المرحلة عن المراحل السابقة (مرحلة النطفة والعلقة والمضغة واللحم والعظم) إختلافاً بيّناً. مرحلة ذكرها القرآن في عبارة موجزة (ثمّ أنشأناه خلقاً آخر)ويعقّب ذلك مباشرةً بالقول: (فتبارك الله أحسن الخالقين). ما هذه المرحلة التي تمتاز بهذه الأهميّة؟ إنّها مرحلة يدخل فيها الجنين مرحلة الحياة الإنسانيّة، يكون له إحساس وحركة، وبتعبير الأحاديث الإسلامية "نفخ الروح". هنا يترك الإنسان حياته النباتية بقفزة واحدة ليدخل عالم الحيوان، ومنه إلى عالم الإنسانية، وتتباعد الشقّة مع المرحلة السابقة بدرجة إستخدمت الآية لها عبارة (ثمّ أنشأنا) لأنّ عبارة (ثمّ خلقنا) لم تعدّ كافية. حيث يتّخذ الإنسان في هذه المرحلة شكلا خاصاً يرفعه عن المخلوقات الاُخرى، ليكون جديراً بخلافة الله في الأرض، وليحمل الأمانة التي تخلّت عنها الجبال والسموات، لعدم إستطاعتها حملها. وهنا انطوى "العالم الكبير" في "الجرم الصغير" بكلّ عجائبه، فيكون جديراً حقّاً بعبارة (تبارك الله أحسن الخالقين). 3 - كساء اللحم فوق العظام ذكر مفسّر (في ظلال القرآن) عند تفسير هذه الآية جملة مدهشة هي أنّ الجنين بعد قطعه مرحلة "العلقة" و "المضغة" تتبدّل خلاياه إلى خلايا عظميّة، ثمّ تكتسي بالتدريج بالعضلات واللحم. لهذا فإنّ عبارة (كسونا العظام لحماً) معجزة علمية تكشف سرّاً لم يكن يعلم به أي شخص حتّى ذلك الزمن. لأنّ القرآن لم يقل: أبدلنا المضغة عظماً ولحماً، بل قال: (فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً)أي تبدّلت المضغة إلى عظام أوّلا، ثمّ اكتست باللحم. 4 - اللباس صيانة للعظام! إنّ إستخدام اللباس للتعبير عن العضلات واللحم يكشف لنا حقيقة قباحة شكل الإنسان إن فقد هذا اللباس الذي يكسو العظام (فيصبح هيكلا عظميّاً مرعباً كما شاهدناه جميعاً أو شاهدنا صورته) إضافة إلى ذلك فإنّ اللباس يحمي الجسم، وهكذا اللحم والعضلات تحمي العظام، وبفقدانها تتلقّى العظام ضربات تؤدّي إلى كسرها، ويؤدّي اللحم وظيفة اللباس بالنسبة للعظام في المحافظة عليها من الحرّ والبرد. وهذا كلّه يبيّن لنا قوّة التعبير القرآني ودقّته. ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ للحساب والجزاء.