وأخر آية من هذا المقطع محل البحث تحمل الردّ الثّالث على أصحاب الحجج الواهية، الذين كانوا يقولون للنّبي(ص): (ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) ويبعدنا العرب من ديارنا، وهو قوله تعالى: (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى) ممّا عندكم من النعيم الفاني.. إذ أنّ نعم الدنيا تشوبها الأكدار والمشاكل المختلفة، ولس من نعمة مادية خالية من الضرر والخطر أبداً.
إضافة إلى ذلك فإنّ النعم التي عند الله "الباقية" لا تقاس مع النعم الدنيوية الزائلة، فنعم الله - إذن - خير وأبقى!.
فبموازنة بسيطة يعرف كل إنسان عاقل أنّه لا ينبغي أن يضحي بنعم الآخرة من أجل نعم الدنيا، ولذلك تختتم الآية بالقول: (أفلا تعقلون)؟.
يقول "الفخر الرازي" نقلا عن أحد الفقهاء أنّه قال: لو أوصى أحد بثلث ماله إلى أعقل الناس، فإني أفتي أن يعطى هذا المال لمن يطيع أمر الله، لإن أعقل الناس من يعطي المتاع القليل، (الفاني) ليأخذ الكثير (الباقي) ولا يصدق هذا، إلاّ في من يطيع الله.
ثمّ يضيف الفخر الرازي.. قائلا: فكأنّما استفاد هذا الحكم من الآية محل البحث(2).
﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ﴾ من أعراض الدنيا ﴿فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا﴾ تتمتعون به وتتزينون به أيام حياتكم الفانية ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ﴾ وهو ثوابه ﴿خَيْرٌ﴾ في نفسه من ذلك ﴿وَأَبْقَى﴾ لأنه سرمد ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ ذلك فتؤثروا الخير الباقي.