فالذين يردّون على السؤال ويجيبون هم النوع الثالث، كما حكى عنهم القرآن (قال الذين حقّ عليهم القول ربّنا هؤلاء الذين أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون).
فعلى هذا تكون الآية السابقة شبيهة بالآية (28) من سورة يونس إذ تقول: (وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون).
فعلى هذا يرد المعبودون الغواة على عبدتهم ويتبرؤون منهم، كما يبرأ فرعون ونمرود و الشياطين والجن من عبدتهم وقومهم ويتنفرون منهم، ويدافعون عن أنفسهم، حتى أنّهم ينسبون الضلالة لمن تبعهم ويقولون: إنّهم تبعونا طوعاً... الخ.
ولكن - من البديهي - ليس لهذا النفي أثر، ولا تنفع البراءة منهم، فالعابدوالمعبود معاً شريكان "في النّار"(1).
الطريف الذي يستلفت النظر، هو أنّ كل واحد من المنحرفين يتبرأ في ذلك اليوم من الآخر وكلٌ يسعى لأن يلقي تبعة ذنبه على صاحبه.
وهذا يشبه تماماً ما قد نراه في هذه "الدنيا" من اجتماع رهط على أمر ما حتى إذا وقعوا في مخالفة القانون، وأُلقي القبض عليهم، وأحضروا إلى المحكمة، يتبرأ كلّ واحد من الآخر ويلقي بعضهم الجريمة على صاحبه، فهكذا هي عاقبة المنحرفين والضالين في الدنيا والآخرة!
كما نجد مثل هذا في الآية (22) من سورة إبراهيم (وقال الشيطان لما قُضي الأمر أنّ الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم).
ونقرأ في الآية (30) من سورة الصافات في شأن المشركين الذين يتحاجون في يوم القيامة مع أتباعهم فيقولون: (وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوماً طاغين).
وعلى كل حال، فتعقيباً على السؤال عن آلهتهم.
وعجز المشركين عن الجواب.
﴿قَالَ الَّذِينَ حَقَّ﴾ وجب ﴿عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ الوعيد أي مقتضاه وهو العذاب ﴿رَبَّنَا هَؤُلَاء﴾ مبتدأ ﴿الَّذِينَ أَغْوَيْنَا﴾ خبره ﴿أَغْوَيْنَاهُمْ﴾ بالوسوسة فغووا باختيارهم غيا ﴿كَمَا غَوَيْنَا﴾ مثل غينا باختيارنا ولم نقرهم على الغي ﴿تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ﴾ منهم ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ وإنما كانوا يعبدون أهواءهم.