لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثم تضيف الآية الكريمة أن هؤلاء فقدوا كل وسيلة لدرك الحقائق: ﴿صُمٌ بُكمٌ عُميٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾. والمثال المذكور يصوّر بدقّة عمل المنافقين على ساحة الحياة الإنسانية. فهذه الحياة مملوءة بطرق الإنحراف والضلال، وليس فيها سوى طريق مستقيم واحد للهداية، وهذا الطريق مليء بالمزالق والأعاصير. ولا يستطيع الفرد أن يهتدي من بين الطرق الملتوية إلى الصراط المستقيم، كما لا يستطيع أن يتجنب المزالق ويقاوم أمام الأعاصير، إلاّ بنور العقل والإيمان، وبمصباح الوحي الوهّاج. وهل تستطيع الشعلة المحدودة المؤقتة التي يضيئها الإنسان، أن تهدي الكائن البشري في هذا الطريق الشائك الطويل؟! هؤلاء الذين سلكوا طريق النفاق، ظنوا أنّهم قادرون بذلك أن يحافظوا على مكانتهم ومصالحهم لدى المؤمنين والكافرين. وأن ينضمّوا إلى الفئة الغالبة بعد نهاية المعركة. كانوا يخالون أن عملهم هذا ذكاء وحنكة. وأرادوا أن يستفيدوا من هذا الذكاء وهذه الحنكة، كضوء يشقّ لهم طريق الحياة ويوصلهم إلى مآربهم. لكن الله سبحانه ذهب بنورهم وفضحهم، إذ قال لرسوله: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا: نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ، والله يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾. والقرآن الكريم يفضح المنافقين لدى الكافرين أيضاً، ويبيّن كذبهم ونكولهم إذ يقول: ﴿اَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ، وَلئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الاَْدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ﴾. جدير بالذكر أن القرآن استعمل عبارة ﴿إِسْتَوْقَدَ نَاراً﴾ أي إنهم استفادوا للإِنارة من «النار» ذات الدخان والرّماد والحريق، بينما يستنير المؤمنون بنور الإيمان الخالص وبضوئه الساطع. باطن المنافقين ينطوي على النار، وإن تظاهروا بنور الإيمان، وإذا كان ثمة نور فهو ضعيف في قوته وقصير في مدته. هذا النور الضعيف المؤقّت، إمّا أن يكون إشارة إلى الضمير والفطرة التوحيدية، أو إشارة إلى الإيمان الأوّلي لهؤلاء المنافقين حيث أُسدلت عليه ستائر مظلمة على أثر التقليد الأعمى والتعصب المقيت واللجاج والعداء، فتحولت ساحة حياتهم لا إلى ظلمة، بل إلى «ظُلمات» في التعبير القرآني. وهؤلاء سيفقدون في النهاية قدرة الرؤية الصحيحة، والإستماع الصحيح، والنطق الصحيح، وهذه نتيجة طبيعية - كما ذكرنا سابقاً - للإستمرار على الإنحراف والإصرار على الغيّ، حيث يؤدي إلى إضعاف آليات الادراك لدى الانسان فيرى الحقائق مقلوبة، فالخير في نظره شرّ، والملك شيطان، وهكذا. على أي حال هذا التشبيه يوضّح واحدة من حقائق النفاق، وهي إن عمر يالنفاق والتذبذب لا يدوم طوي، قد يستطيع المنافقون لمدة قصيرة أن يتمتعوا بمصونية الإسلام والإيمان، وبصداقة الكفار سراً. لكن هذه الحالة مثل شعلة ضعيفة معرضة لألوان العواصف، سرعان ما تنطفى، ويظهر الوجه الحقيقي للمنافقين، ويظلون منفورين مطرودين حائرين، مثل إنسان يتخبّط في ظلام دامس. لابدّ من الإشارة إلى ما ورد في تفسير الآية الكريمة: ﴿هُوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً﴾. عن الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: «أَضَاءَتِ الأَرْضُ بِنُورِ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ، فَضَرَبَ اللهُ مَثَلَ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) الشَّمْسَ وَمَثَلَ الْوَصِيِّ الْقَمَرَ». وهذا يعني أن نور الإيمان والوحي يغمر العالم كلّه. ولا يمتلك منه المنافقون شيئاً، حتّى لو كان في النفاق نور، فإنّ مدياته قصيرة ودائرته صغيرة لايضيء إلاّ ما حوله. في المثال الثاني صوّر القرآن حياة المنافقين بشكل ليلة ظلماء مخوفة خطرة، يهطل فيها مطر غزير، وينطلق من كل ناحية منها نور يكاد يخطف الأبصار، ويملأ الجوّ صوت مهيب مرعب يكاد يمزّق الآذان. وفي هذا المناخ القلق ضلّ مسافر طريقه، وبقي في بلقع فسيح لا ملجأ فيه ولا ملاذ، لا يستطيع أن يحتمي من المطر الغزير، ولا من الرعد والبرق، ولا يهتدي إلى طريق لشدّة الظلام. ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ يعني في الآخرة وفي الدنيا عما يتعلق بالآخرة ﴿فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ عن الضلالة إلى الهدى.