لذلك تأتي الآية التي بعدها فتقول: (ونزعنا من كل أمة شهيداً(3) فقلنا هاتوا برهانكم) أيّها المشركون الضالون.
وحين تنكشف المسائل وتتجلى الأُمور لا تبقى خافية (فعلموا أن الحق الله وضل عنهم ما كانوا يفترون).
هؤلاء الشهود هم الأنبياء بقرينة الآيات الأُخرى في القرآن، إذ أن كل نبي شاهد على أمته، ونبيّ الإسلام(ص) الذي هو خاتم الأنبياء هو شهيد على جميع الأنبياء والأُمم، كما نقرأ ذلك في الآية (41) من سورة النساء (فكيف إذ جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً).
فعلى هذا، ينعقد يوم القيامة مجلس كبير بحضور الأنبياء، ويؤتى بالمشركين المعاندين عمي القلوب، وهناك يعرفون الفاجعة العظمى للشرك، وحقانية الله، وضلال الأصنام... بجلاء.
ومن الطريف أن القرآن يعبر بـ (ضل عنهم ما كانوا يفترون) أي إن تصوراتهم واعتقاداتهم في الأصنام تمحى عنهم يوم القيامة، لأنّ عرصة القيامة عرصة الحق، ولا مكان للباطل هناك، فالباطل يضل هناك ويمحى من الوجود!.
فإذا كان الباطل يغطي وجهه هنا (في هذا العالم) بستار من الحق ليخدع الناس أيّاماً، فهناك تنكشف الحجب ولا يبقى سوى الحق.
نقرأ في رواية عن الإمام الباقر(ع) في تفسير (ونزعنا من كل أمّة شهيداً)قوله: "ومن هذه الأُمة إمامها" (4).
وهذا الكلام إشارة إلى أنّه لابدّ في كل عصر وزمان من شاهد معصوم للأُمة، والحديث آنف الذكر من قبيل بيان مصداق هذا المفهوم القرآني.
﴿وَنَزَعْنَا﴾ أخرجنا ﴿مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ وهو نبيهم يشهد عليهم بما كان منهم ﴿فَقُلْنَا﴾ لهم ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ على صحة ما كنتم عليه ﴿فَعَلِمُوا﴾ حينئذ ﴿أَنَّ الْحَقَّ﴾ في الإلهية ﴿لِلَّهِ﴾ وحده ﴿وَضَلَّ﴾ غاب ﴿عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ من الباطل.