لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
فأجابهم قارون بتلك الحالة من الغرور والتكبر الناشئة من ثروته الكبيرة، و(قال إنّما أوتيته على علم عندي). هذا لا يتعلق بكم، وليس لكم حق أن ترشدوني إلى كيفية التصرف بمالي، فقد أوجدته بعلمي وإطلاعي. ثمّ إنّ الله يعرف حالي ويعلم أنّي جدير بهذا المال الذي أعطانيه، وعلمني كيف أتصرف به، فلا حاجة إلى تدخلكم!. وبعد هذا كله فقد تعبت وبذلت جهوداً كبيرة في سبيل جمع هذا المال، فإذا كان الآخرون جديرين بالمال، فلم لا يتعبون ويجهدون أنفسهم؟ فلست مضايقاً لهم، وإذا لم يكونوا جديرين، فليجوعوا وليموتوا فهو أفضل لهم(6). هذا المنطق العفن المفضوح طالما يردده الأثرياء الذين لا حظّ لهم من الإيمان أمام من ينصحهم. وهذه اللطيفة جديرة بالإلتفات وهي أن القرآن لم يصرّح بالعلم الذي كان عند قارون وأبقاه مبهماً، ولم يذكر أي علم كان عند قارون حتى استطاع بسببه على هذه الثروة الطائلة!. أهو علم الكيمياء، كما فسّره بعضهم. أم هو علم التجارة والصناعة والزراعة. أم علم الإدارة الخاص به، الذي استطاع بواسطته أَن يجمع هذه الثروة العظيمة. أم جميع هذه العلومِ! لا يبعد أن يكون مفهوم الآية واسعاً وشاملا لجميع هذه العلوم "بالطبع بصرف النظر عن أَن علم الكيمياء علم يستطاع بواسطته قلب النحاس وأمثاله ذهباً، وهل هو خرافة أم حقيقة واقعية"؟ وهنا يجيب القرآن على قول قارون وأمثاله من المتكبرين الضالين، فيقول: (أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوّة وأكثر جمعاً). أتقول: (إنّما أوتيته على علم عندي) ونسيت من كان أكثر منك علماً وأشدّ قوّة وأثرى مالا، فهل استطاعوا أن يفروا من قبضة العذاب الإلهي؟! لقد عبّر اولو الالباب والضمائر الحيّة عن المال بقولهم لقارون: (ما آتاك الله)، ولكن هذا الغافل غير المؤدّب ردّ على قولهم بأنّ ما عنده من مال فهو بواسطة علمه!! لكن الله سبحانه عبّر عن حقارة قوّته وقدرته أمام إرادته ومشيئته جلّوعلا بالعبارة المتقدمة آنفاً. وفي ختام الآية إنذار ذو معنى كبير آخر لقارون، جاء في غاية الإيجاز: (ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون). فلا مجال للسؤال والجواب، فالعذاب واقع - لا محالة - بصورة قطعيّة ومؤلمة، وهو عذاب فجائي مُدمّر!. وبعبارة أُخرى أن العلماء من بني إسرائيل نصحوا قارون هذا اليوم وكان لديه مجال والجواب، لكن بعد إتمام الحجة ونزول العذاب الإلهي، عندئذ لا مجال للتفكير والجواب، فاذا حلّ العذاب الالهي بساحته فهو الهلاك الحتمي. هنا يرد سؤال حول الآية التي تقول: (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) أي سؤال هذا الذي نفاه الله أهو في الدنيا أم في الآخرة؟! قال بعض المفسّرين: إنّ المقصود بعدم السؤال هو في الدنيا، وقال بعضهم: بل المقصود أنّه في الآخرة! لكن لا مانع من أن يكون عدم السؤال في الدارين "الدنيا والأخرة". أي لا يسألون حال نزول العذاب في الدنيا، لئلا يدافعوا عن أنفسهم ويبرئوا ساحتهم، ويظهروا الأعذار تلوا الأعذار. ولا يُسألون يوم القيامة - أيضاً - لأنّ يوم القيامة لا يبقى فيه شي خافياً، فكل شيء واضح، وكما يعبّر القرآن تعبيراً دقيقاً في هذا الصدد (يُعرف المجرمون بسيماهم).(7) وكذلك فإنّ الآية - محل البحث - (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون)منسجمة تمام الإنسجام مع الآية من سورة الرحمن إذ تقول: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌ). هنا ينقدح سؤال آخر، وهو كيف يسنجم هذا التعبير في القرآن مع قوله تعالى: (فوربّك لنسألنّهم أجمعين).(8) ويمكن الإجابة على هذا السؤال عن طريقين: الأوّل: إنّ المواقف في يوم القيامة متعددة، ففي بعضها يقع السؤال والجواب وفي بعض المواقف لا حاجة للسؤال، لأنّ الحجب مكشوفة، وكل شيء واضح هناك. الثّاني: إنّ السؤال عادة نوعان.. "سؤال تحقيق" و "سؤال توبيخ" فليس في يوم القيامة سؤال للتحقيق، لأنّ كل شيء هناك مكشوف عياناً وواضح دون لبس. ولكن يوجد هناك سؤال توبيخ وهو بنفسه نوع من العذاب النفسي للمجرمين. وينطبق هذا تماماً في ما لو سأل الأب ابنه غير المؤدب: ألم أقدم لك كل هذه الخدمات... أهذا جزاء ما قدمت؟! في حين أن كلا من الأب والابن يعرفان الحقيقة، وأن قصد الأب من سؤاله لإبنه هو التوبيخ لا غير!. ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ﴾ أي المال ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ حال أي على استحقاق له لعلمي الذي فضلت به على الناس وهو علمه بوجوه المكاسب أو بالكيمياء أو بالتوراة وكان أعلمهم بها ﴿عِندِي﴾ أي الأمر كذلك في رأيي وفي ظني ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ﴾ الأمم ﴿مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ للمال أي هو يعلم ذلك من التوراة وغيرها فلا يغتر بقوته وكثرة ماله فإن الله يهلكه كما أهلكهم ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ استعلاما لعلمه تعالى بها.