والآية الأُخرى بعدها تشير إلى منطق المشركين الخاوي والملتوي، الذي لا يزال موجوداً في طبقات المجتمع الواسعة فتقول: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم)(1).
واليوم نرى كثيراً من الخبثاء يقولون للآخرين عند دعوتهم إلى أمر: إن كان فيه ذنب فعلى رقابنا!.
في حين أنّنا نعلم أنّه لا يمكن لأحد أن يتحمل وزر أحد، وأساساً فإنّ هذا العمل ليس معقولا وليس منطقياً....
فالله عادل سبحانه ولا يؤاخذ أحداً بجرم الآخر.
ثمّ بعد كل ذلك فإنّ الإنسان لا تسقط عنه المسؤولية في العمل بمثل هذه الكلمات، ولا يمكن له التنصّل منها... وخلافاً لما يتوهمه بعض الحمقى فإنّ مثل هذه التعبيرات لا تنقص من عقابهم حتى بمقدار رأس الإبرة.
ولذلك فلا يعتدّ بمثل هذا الكلام في أية محكمة كانت ولا يقبل من المذنب أن يقول: إن فلاناً تحمّل عنّي الوزر وجعله في رقبته!.
صحيح أن ذلك الإنسان حثه على الإجرام ودفعه إلى اقترافه، فهو شريكه، إلاّ أن هذا الإشتراك في الجريمة لا يخفّف عنه المسؤولية!
لذلك فإنّ القرآن يقول بصراحة في الجملة التالية (وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنّهم لكاذبون).
هنا ينقدح السؤال التالي.. "إنّ الصدق والكذب هما في موارد الجمل الخبرية، في حين أن هذه الجملة إنشائية "ولنحمل خطاياكم" وليس في الجملة الإنشائية صدق أو كذب، فلم عبّر القرآن عنهم بأنّهم "كاذبون"؟!
والجواب على هذا السؤال يتّضح من البيان الذي ذكرناه سابقاً، وهو أن الجملة الأمرية هنا تتحول إلى جملة شرطية، ومفهومها أنّه إن اتبعتمونا حملنا خطاياكم وآثامكم، ومثل هذه الجملة تقبل الصدق والكذب(2).
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا﴾ ديننا ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ بذلك إن كانت ﴿وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ﴾ و﴿إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في ضمانهم حملها.