وإكمالا لهذا البحث الذي يبيّن أن الرحمة والعذاب هما بيد الله والمعاد إليه، يضيف القرآن: إذا كنتم تتصورون أنّكم تستطيعون أن تهربوا من سلطان الله وحكومته ولايمسّكم عذابه، فأنتم في خطأ كبير... فليس الأمر كذلك! (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء)(2).
وإذا كنتم تتصورون أنّكم تجدون من يدافع عنكم وينصركم هناك، فهذا خطأ محضٌ أيضاً (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير).
وفي الحقيقة، فإنّ الفرار من قبضة الله وعذابه، إمّا بأن تخرجوا من حكومته، وإمّا بأن تعتمدوا مع بقائكم في حكومته على قدرة الآخرين لتدافعوا عن أنفسكم، فلا الخروج ممكن، لأنّ البلاد كلّها له وعالم الوجود كلّه ملكه الواسع،
ولا يوجد أحد يستطيع أن يقف أمام قدرته وينهض للدفاع عنكم.
يبقى هنا سؤالان:-
أوّلا: مع الإلتفات إلى هذه الحقيقة، وهي أن مقصود الآية هو في الكفار والمشركين، وهم سكنة الأرض، فما معنى قوله تعالى: (ولا في السماء) وأي مفهوم له هنا؟!
وينبغي أن يقال في الجواب، أن هذا التعبير هو نوع من التأكيد والمبالغة، أي إنكم لا تستطيعون أن تخرجوا من قدرة الله وسلطانه في هذه الأرض، ولا في السماوات، إذ حتى لو فرضنا أنّكم تستطيعون أن تصعدوا في السماء، فمازلتم تحت قدرته و سلطانه.
أو إنّه: لا تستطيعون أن تعجزوا الله في مشيئته بواسطة من في الأرض، ولا بواسطة من تعبدون في السماوات، من أمثال الملائكة والجن (والتّفسير الأوّل أكثر مناسبة - طبعاً -)
ثانياً: ما الفرق بين الولي والنصير؟!
يرى العلامة "الطبرسي" في "مجمع البيان" وقيل: إن الولي الذي يتولى المعونة بنفسه والنصير يتولى النصرة تارةً بنفسه بأن يأمره غيره به"(3).
بل يمكن القول مع ملاحظة الكلمتين هاتين، أن الولي إشارة إلى من يعيّن دون طلب من عليه الولاية، والنصير هو المستصرخ الذي يأتي لإعانة الإنسان بعد استصراخه.
﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ الله عن إدراككم لو هربتم عن حكمه ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ الفسيحة ﴿وَلَا فِي السَّمَاء﴾ التي هي أفسح منها ولو تحصنتم في أعماق الأرض أو في القلاع الذاهبة في السماء ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ﴾ يمنعكم منه ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ يدفع عنكم عذابه.