لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وهنا لم يكن للوط(ع) بدّ إلاّ أن يلتفت إلى الله بقلب حزين مهموم... و(قال ربّ انصرني على القوم المفسدين). القوم المنحرفين، المتمادين في الأرض فساداً، والذين تركوا تقواهم وأخلاقهم الإنسانية وألقوا العفة والطهارة خلف ظهورهم، وسحقوا العدل الإجتماعي تحت أقدامهم، ومزجوا عبادة الأوثان بفسد الأخلاق والظلم، وهددوا نسل الإنسان بالفناء والزوال، فيا ربّ انصرني على هؤلاء القوم المفسدين. ملاحظة بلاء الإنحراف الجنسي: الإنحراف الجنسي - سواءً كان في أوساط الرجال "اللواط" أم في أوساط النساء "المساحقة" - لهو من أسوأ الإنحرافات الأخلاقية، ومصدر المفاسد الكثيرة في المجتمع. وأساساً فإنّ طبيعة "كلّ من الرجل والمرأة" مخلوقة بشكل يمنح الهدوء والإشباع الصحيح السالم في العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة "عن طريق الزواج المشروع" وأي نوع من الميول الجنسية في غير هذه الصورة هو انحراف عن طبع الإنسان الصحيح، وهو نوع من الأمراض النفسيّة الذي لو قُدّر له أن يستمرّ لاشتد خطره يوماً بعد يوم، وتكون نتيجته البرود الجنسي بالنسبة ما بين الرجل والمرأة، والإشباع غير الصحيح من "الجنس المماثل" أي "اللواط" أو"السحاق". ولهذا النوع من العلائق غير المشروعة أثر مدمّر في جهاز البدن، بل حتى في سلسلة الأعصاب والروح. إذ يسقط الرجل من رجولته والمرأة من أنوثتها! بحيث أن أمثال هؤلاء الرجال والنساء المنحرفين جنسياً يبتلون بضعف جنسي شديد، ولا يستطيعون أن يكونوا آباءً وأمهات صالحين لأبنائهم في المستقبل، وربّما كانوا غير قادرين حتى على الإنجاب بصورة كلية "بسبب هذا الإنحراف". إن المنحرفين جنسياً يغدون بالتدريج منزوين منعزلين عن المجتمع، ويحسون بالغربة في مجتمعهم وفي أنفسهم أيضاً، كما يبتلون بنفصام الشخصية، وإذا لم يهتموا بإصلاح أنفسهم، فمن الممكن أن يبتلوا بأمراض جسمية ونفسية مختلفة. ولهذا السبب - ولأسباب أخلاقية واجتماعية أُخرى - حرّم الإسلام الإنحراف الجنسي تحريماً شديداً بأي شكل كان وفي أية صورة، كما قرر للذي يقوم بهذا العمل عقاباً صارماً يبلغ أحياناً إلى درجة الإعدام والقتل!. والموضوع المهم هو أن الانفلات الاخلاقي والتميّع الجنسي والابتذال للعالم المتمدن والحضارة المادية قد جرّت كثيراً من الفتيان والفتيات إلى الإنحراف الكبير. في البداية يرغّبون الفتيان في أن يلبسوا ثياب النساء وأن يظهروا بمظهر خاص، ويدعون النساء أن يلبسن ثياب الرجال، وتبدأ من هنا قضية الإنحراف الجنسي حتى تصل إلى أقبح الأعمال الوقحة في هذا المجال، وتأخذ شكلاً قانونياً بحيث يعدون هذا الأمر عادياً لا يستحق أي نوع من العقاب أو التبعة، ولا يسع القلم إلاّ أن يستحي ويخجل من وصف ذلك(5). الآيات 31 - 35 ﴿وَلَمَّآ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَهِيمَ بِالْبُشْرى قَالُواْ إِنَّا مُهْلِكُوآاْهْلَ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظََـلِمِينَ (31) قَالَ اِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَـبِرِينَ (32) وَلَمَا أَنْ جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِىءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَـبِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَـذهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسِقُونَ (34) وَلَقَدْ تَّرَكْنَا مِنْهَآ ءَايَةَ بَيِّنَةً لِّقَوْم يَعْقِلُونَ (35) ﴾ التفسير وهذه هي عاقبة المنحرفين: لقد أستجيب دعاءُ لوط أخيراً، وصدر الأمر من الله تعالى بالعقاب الصارم والشديد لهؤلاء القوم المنحرفين والمفسدين، فمرّ الملائكة المأمورون بعذاب قوم لوط بالأرض التي فيها إبراهيم(ع) لأداء رسالة أُخرى قبل أن ينزلوا العقاب بقوم لوط، وهذه الرسالة التي سبقت العذاب، هي بشارتهم لإبراهيم(ع) بالوَلد: "بشروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب". والآيات المتقدمة تذكر أوّلا قصّة مرورهم بإبراهيم(ع) فتقول: (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين). والتعبيربـ "هذه القرية" يدل على أن مُدن قوم لوط كانت قريبة من أرض إبراهيم(ع) والتعبير بالظالمين هو لأجل كونهم يظلمون أنفسهم باتخاذهم سبيل الشرك والفساد الأخلاقي وعدم العفة، وظلمهم الآخرين حتى شمل العابرين والقوافل التي كانت تمرّ على طريقهم. فلمّا سمع "إبراهيم" هذا النبأ حزن على لوط النّبي العظيم و(قال إنّ فيها لوطاً). فما عسى أن تكون عاقبته؟! إلاّ أنّهم أجابوه على الفور، (قالوا نحن أعلم بمن فيها) فلا تحزن عليه، لأننا لا نحرق "الأحضر واليابس" معاً، وخطتنا دقيقة ومحسوبة تماماً... ثمّ أضافوا (لننجينه وأهله إلاّ امرأته كانت من الغابرين). ويستفاد من هذه الآية جيداً أنّ أسرة واحدة فقط في جميع تلك المدن والقرى كانت مؤمنة وغير مدنّسة، وقد نجاها الله في ذلك الحين أيضاً... كما نقرأ مثل ذلك في الآية (36) من سورة الذاريات: (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) ومع ذلك فإنّ امرأة لوط كانت خارجة عن جماعة المؤمنين، فشملها العذاب. والتعبير بـ "الغابرين" جمع "غابر" ومعناه المتخلف عن جماعته الماضين في الطريق، فالمرأة التي كانت في عائلة النبوّة لا ينبغي لها أن تنفصل عن المؤمنين والمسلمين... غير أنّ الكفر والشرك وعبادة الأوثان - كل ذلك - دعاها إلى الإنفصال!. ويتّضح من هنا أن انحرافها كان من جهة العقيدة، ولا يبعد أن يكون هذا الإنحراف متأثراً بسبب محيطها... وكانت في بداية الأمر مؤمنة موحدة، وبهذا فلن يرد أي إشكال على لوط(ع) في أنّه لم تزوّج بمثل هذه المرأة؟! وإذا كان جماعة من المؤمنين الآخرين قد آمنوا بلوط، فمن المؤكّد أنّهم كانوا قد هاجروا عن تلك الأرض المدنّسة قبل هذا الحادث، ما عدا لوطاً وأهله، فإنّه كان عليه أن يبقى إلى آخر ساعة هناك، لاحتمال تأثير تبليغه وإنذاره. هنا ينقدح هذا السؤال: ترى هل كان "إبراهيم" يحتمل أن عذاب الله سيشمل لوطاً، فأظهر تأثره أمام الملائكة، غير أنّهم طمأنوه بنجاة لوط؟! والجواب الواضح على هذا السؤال، وهو أن إبراهيم كان يعرف الحقيقة، وإنّما سأل ليطمئن قلبه، نظير هذا السؤال ما كان من هذا النّبي العظيم في شأن المعاد وإحياء الموتى، إذ جسد له الله ذلك في إحياء أربعة من الطير "ليطمئن قلبه". إلاّ أنّ المفسّر الكبير العلاّمة الطباطبائي يعتقد أنّ المراد من سؤال إبراهيم هو أن وجود "لوط" بين هؤلاء القوم سيكون دليلا على رفع العذاب عنهم... ويستعين بالآيات (74) - (76) من سورة هود على هذا المقصد، لأنّ هذه الآيات تبيّن: أنّه(ع) كان يريد بقوله: (إنّ فيها لوطاً) أن يصرف العذاب بأن فيها لوطاً وإهلاك أهلها يشمله، فأجابوه بأنهم لا يخفى عليهم ذلك بل معه غيره ممن لا يشملهم العذاب وهم أهله إلاّ امرأته.(1) لكننا نعتقد أنّ هذا الجواب من الملائكة - في صدد نجاة لوط وأهله - يدلّ بوضوح أن الكلام في هذه الآيات هو على لوط فحسب، ولكن آيات سورة هود تتحدث عن موضوع منفصل، وكما قلنا آنفاً فإنّ إبراهيم كان ليطمئن قلبه أكثر "فلاحظوا بدقة". انتهى كلام الملائكة مع إبراهيم هنا، وتوجهوا إلى ديار لوط(ع) وقومه، يقول القرآن في هذا الشأن: (ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً). وكان كلّ استيائه وعدم ارتياحه بسبب أنّه لم يعرفهم... فقد جاؤوا إليه بهيئة فتيان ذي وجوه مليحة، ومجيء أمثال هؤلاء الضيوف في مثل هذا المحيط الملوّث، ربّما كان يجرّ على لوط الوبال، وأن يذهب ماء وجهه أمامهم، لذلك فكر مليّاً: ما عسى أن يكون ردّ فعل هؤلاء القوم الضالين الوقحين الذين لا حياء لهم قبال هؤلاء الضيوف؟! "سيء" مشتقّة من "ساء" ومعناه سوء الحال، و"الذرع" معناه "القلب""الخلق"، فعلى هذا يكون معنى (ضاق بهم ذرعا) أي ضاق قلبه وانزعج. وقال بعض المفسّرين: إنّ هذه الكلمة في الأصل تعني "الفاصلة بين أطراف البعير أثناءالسير" وحيث أنّهم إذا وضعوا على البعير حملا ثقيلا قصّر خطاه وضيّق الفاصلة، عبروا بجملة "ضاق ذرعاً" كناية عن الحادثة الثقيلة "الصعبة" التي لا تطاق! إلاّ أنّ الضيوف حين أدركوا عدم إرتياحه كشفوا عن "هويّتهم" وعرفوا أنفسهم ورفعوا عنه الحزن: (وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهله إلاّ امرأتك كانت من الغابرين). ويستفاد بالطبع من الآيات التي في سورة هود أن أُولئك القوم الاراذل، حين عرفوا بوجود الضيوف عند لوط(ع) أسرعوا إليه، وكان في نيّتهم أن يعتدوا عليهم، وحيث أن لوطاً كان لا يزال غير عارف بحقيقة الملائكة فقد كان متأثراً جدّاً، وكان تارةً ينصحهم واُخرى يهددّهم ومرّةً يقول لهم: (أليس فيكم رجل رشيد) فيحرك ضمائرهم وتارةً يقترح عليهم الزواج من بناته، وأراد أن يمنعهممن الوصول إلى أضيافه، لكن هؤلاء المنحرفين الذين لا حياء لهم لم يقتنعوا بأي شيء ولم يفكروا إلاّ بهدفهم المخزي. ولكن رسل الله عرفوا أنفسهم للوط(ع)، وأعموا أبصار هؤلاء القوم الذين أرادوا الهجوم على الملائكة واثلجوا قلب ذلك النّبي العظيم(ع).(2) وما ينبغي الإلتفات إليه أن رسُل الله قالوا للوط: (لا تخف ولا تحزن) فما الفرق بين كلمتي "الخوف" و"الحزن"؟ورد في تفسير الميزان أن الخوف يقع على الحوادث غير المستساغة احتمالا.. أمّا الحزن فيقع في الموارد القطعية. وقال بعضهم: الخوف يطلق على الحوادث المستقبلية، أمّا الحزن فعلى ما مضى! كما يرد هذا الإحتمال وهو أن الخوف في المسائل الخطرة، أمّا الحزن فهو في المسئل الموجعة، وإن لم يكن فيها أي خطر!.. وهنا ينقدح هذا السؤال، وهو أنّه طبقاً لآيات سورة هود فإنّ لوط وخوفه لم يكن على نفسه، بل كان يخشى أن يضايقوا "ضيفه"(3) غير أن جواب الملائكة يتعلق بنجاة لوط وأهله، وهذان الأمران غير منسجمين. والجواب على هذا السؤال يستفاد إجمالا من الآية (81) من سوره هود، لأنّ القوم المنحرفين حين مدّوا أيديهم إلى الضيوف قال الملائكة: (يا لوط إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك) أي مسألتنا سهلة... ولن يصل إليك سوء وأذى منهم أيضاً، فعلى هذا كان الملائكة يرون النجاة بالنسبة لهم من المسلّم بها، وإنّما ركزوا على البشارة للوط وأهله فحسب. وبعد هذا، ولكي تتضح خطة عملهم في شأن عاقبة هؤلاء القوم المنحرفين أكثر، أضافوا: (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون). والمراد بالقرية هي "سدوم" وما جاورها من القرى والمدن التي كان يسكنها قوم لوط، وقد أوصل بعضهم عدد هؤلاء إلى سبعمائة ألف نفر(4). والمراد من "الرجز" هنا هو العذاب، ومعناه الأصلي الإضطراب، ثمّ عبروا عن كل شيء يوجب الإضطراب بالرجز، ولذلك استعمل العرب كلمة الرجز في كثير من المعاني كالبلايا الشديدة، والطاعون أو البرد، والأصنام، ووساوس الشيطان، والعذاب الإلهي.. الخ. وجملة (بما كانوا يفسقون) هي سبب عقابهم الشديد، لأنّهم لم يطيعوا الله، والتعبير بالفعل المضارع "يفسقون" دليل على استمرارهم ودوامهم على العمل القبيح!. وهذا التعبير يبيّن هذه الحقيقة، وهي لو أن أُولئك لم يستمروا على الذنب، وكانوا يتوبون ويعودون إلى طريق الحق والتقوى، لم يبتلوا بمثل هذا العذاب وكانت ذنوبهم الماضية مغفورة. وهنا لم يذكر القرآن كيفية العذاب الأليم، سوى أنّه قال: (ولقد تركنا فيها آية بينة لقوم يعقلون). إلاّ أنّ في سورة هود الآية (82) منها، وكذلك سورة الأعراف الآية 84 منها، تفصيلا في بيان العذاب، وهو أنّه أصابت قراهم في البداية زلزلة شديدة فجعلت عاليها سافلها، ثمّ أمطرت عليها حجارة من السماء بحيث توارت بيوتهم وقراهم وأجسادهم تحتها!. والتعبير بـ "الآية البينة" أي العلامة الواضحة، هو إشارة إلى الآثار الباقية من مدينة "سدوم" التي كانت في طريق قوافل أهل الحجاز طبقاً "لآيات القرآن"... وكانت باقية حتى ظهور النّبي(ص). كما نقرأ في الآية (76) من سورة الحجر (وإنّها لبسبيل مقيم)، وكما نقرأ في سورة الصافات الآيتين (137) و (138): (وإنّكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون). ﴿قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ بقبائحهم وسنها في الناس.