وبعد هذا، ولكي تتضح خطة عملهم في شأن عاقبة هؤلاء القوم المنحرفين أكثر، أضافوا: (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون).
والمراد بالقرية هي "سدوم" وما جاورها من القرى والمدن التي كان يسكنها قوم لوط، وقد أوصل بعضهم عدد هؤلاء إلى سبعمائة ألف نفر(4).
والمراد من "الرجز" هنا هو العذاب، ومعناه الأصلي الإضطراب، ثمّ عبروا عن كل شيء يوجب الإضطراب بالرجز، ولذلك استعمل العرب كلمة الرجز في كثير من المعاني كالبلايا الشديدة، والطاعون أو البرد، والأصنام، ووساوس الشيطان، والعذاب الإلهي.. الخ.
وجملة (بما كانوا يفسقون) هي سبب عقابهم الشديد، لأنّهم لم يطيعوا الله، والتعبير بالفعل المضارع "يفسقون" دليل على استمرارهم ودوامهم على العمل القبيح!.
وهذا التعبير يبيّن هذه الحقيقة، وهي لو أن أُولئك لم يستمروا على الذنب، وكانوا يتوبون ويعودون إلى طريق الحق والتقوى، لم يبتلوا بمثل هذا العذاب وكانت ذنوبهم الماضية مغفورة.
وهنا لم يذكر القرآن كيفية العذاب الأليم، سوى أنّه قال: (ولقد تركنا فيها آية بينة لقوم يعقلون).
إلاّ أنّ في سورة هود الآية (82) منها، وكذلك سورة الأعراف الآية 84 منها، تفصيلا في بيان العذاب، وهو أنّه أصابت قراهم في البداية زلزلة شديدة فجعلت عاليها سافلها، ثمّ أمطرت عليها حجارة من السماء بحيث توارت بيوتهم وقراهم وأجسادهم تحتها!.
والتعبير بـ "الآية البينة" أي العلامة الواضحة، هو إشارة إلى الآثار الباقية من مدينة "سدوم" التي كانت في طريق قوافل أهل الحجاز طبقاً "لآيات القرآن"...
وكانت باقية حتى ظهور النّبي(ص).
كما نقرأ في الآية (76) من سورة الحجر (وإنّها لبسبيل مقيم)، وكما نقرأ في سورة الصافات الآيتين (137) و (138): (وإنّكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون).
﴿إِنَّا مُنزِلُونَ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا﴾ عذابا ﴿مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ بسبب فسقهم.