أمّا الآية التي بعده فتتحدث عن "عاد" و"ثمود" قومي (هود وصالح)، دون أن تذكر ما قاله نبيّاهما لهما، وما ردّ عليهما قومهما المعاندون، لأنّهما مذكوران في آيات عديدة من القرآن، وهما أي قوم هود وقوم صالح معروفان، فلذلك، تقول الآية: (وعاداً وثمودَ)(4).
ثمّ تضيف الآية (وقد تبيّن لكم من مساكنهم) المتهدمة والتي هي على طريقكم في منطقة الحجر واليمن.
فأنتم في كل سنة تمرون في أسفاركم للتجارة بأرض "الحجر" التي تقع شمال جزيرة العرب، وبالأحقاف التي تقع قريباً من اليمن وجنوبها، وترون آثار المساكن المتهدمة وبقاياها من عاد وثمود، فعلام لا تعتبرون؟!
ثمّ تشير الآية إلى السبب الأصلي لشقائهم وسوء حظّهم، إذ تقول: (وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل).
وكانت فطرتهم على فطرة الله وتقواه، ولم يأل الأنبياء جهداً في هدايتهم، وبذلوا قدراً كافياً من النصح والإرشاد لهم، لكنّهم حادوا (وكانوا مستبصرين).
قال بعض المفسّرين: إنّ جملة (وكانوا مستبصرين) تعني أنّهم كانوا ذوي أعين بصيرة، وعقل كاف.
وقال بعضهم: إنها تعني أنّهم كانوا على الفطرة السليمة.
كما قال آخرون: إنّها تعني هداية الأنبياء لهم.
ولا يمنع اجتماع جميع هذه المعاني في الآية الكريمة، فهي إشارة إلى أنّهم لم يكونوا جاهلين قاصرين، بل كانوا يعرفون الحق جيداً من قبل، وكانت ضمائرهم حية ولديهم العقل الكافي، وأتمّ الأنبياء عليهم الحجّة البالغة، ولكن... مع كل ما تقدم... من نداء العقل والضمير، ودعوة الأنبياء، فقد انحرفوا عن السبيل ووسوس لهم الشيطان، ويوماً بعد يوم يرون أعمالهم القبيحة حسنةً، وبلغوا مرحلة لا سبيل لهم إلى الرجوع منها، فأحرق قانون الخلق والإيجاد هذه العيدان اليابسة.. وهي جديرة بذلك!
﴿وَعَادًا﴾ وأهلكنا عادا ﴿وَثَمُودَ﴾ بالصرف وتركه بمعنى الحي أو القبيلة ﴿وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ﴾ بعضها أو إهلاكهم من جهتها عند مروركم بها ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ كفرهم ومعاصيهم ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ سبيل الحق ﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ متمكنين من النظر ولكن لم ينظروا.