لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
والآية الأُخرى تذكر أسماء ثلاثة من الجبابرة الذين كان كل واحد منهم بارزاً للقدرة الشيطانية، فتقول: (وقارون وفرعون وهامان)(5). فقارون كان مظهر الثروة المقرونة بالغرور وعبادة"الذات" والأنانية والغفلة. وفرعون كان مظهر القدرة الإستكبارية المقرونة بالشيطنة. وأمّا هامان، فهو مثل لمن يعين الظالمين المستكبرين!. ثمّ يضيف القرآن (ولقد جاءهم موسى بالبينات) والدلائل (فاستكبرا في الأرض) فاعتمد قارون على ثروته وخزائنه وعلمه، واعتمد فرعون وهامان على جيشهما وعلى القدرة العسكرية، وعلى قوة إعلامهم وتضليلهم لطبقات الناس المغفّلين الجهلة. لكن.. برغم كل ذلك لم يفلحوا (وما كانوا سابقين). فأمر الله الأرض التي هي مهد الإطمئنان والدعة بابتلاع قارون. وأمر الماء الذي هو مصدر الحياة بابتلاع فرعون وهامان. وعبأ جنود السماوات والأرض لإهلاكهم جميعاً، بل ما كان مصدر حياتهم أمر الله أن يكون هو نفسه سبباً لفنائهم(6). كلمة "سابقين" تعني من يتقدم ويكون أمام الآخرين، فمفهوم قوله تعالى: (وما كانوا سابقين) أي إنّهم لم يستطيعوا أن يهربوا من سلطان الله برغم ما كان عندهم من إمكانات، بل أهلكهم الله في اللحظة التي أراد، وأرسلهم إلى ديار الفناء والذلة والخزي. كما يذكر في الآية التي بعدها (فكلاّ أخذنا بذنبه). وحيث أنّ القرآن ذكر "الطوائف الأربع" في الآيتين المتقدمتين، ولم يبيّن عذابهم، وهم: 1- قوم هود "عاد". 2- وثمود "قوم صالح". 3- قارون. 4- فرعون وهامان. فإنه يذكر في هذه الآية بحسب الترتيب أنواع عذابهم. فيقول: (فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً). و"الحاصب" معناه الاعصار الذي يحمل حصى كثيرة معه، و"الحصباء" "الحصى الصغيرة". والمقصود بـ "منهم" هنا هم "عاد" قوم هود، وحسب ما جاء في بعض السور كالذاريات والحاقة والقمر، أصابهم اعصار شديد مهلك خلال ثمانية أيّام وسبع ليال فدمرهم تدميراً. يقول القرآن: (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيّام حسوماً فترى القوم صرعى كأنّهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية) "الحاقة". (ومنهم من أخدته الصيحة) وقلنا: إن الصيحة السماوية التي هي نتيجة الصاعقة التي تقترن مع الزلزلة في زمان الوقوع، وهذا هو العذاب الذي عذب الله به ثمود "قوم هود" كما عذب آخرين... ويقول القرآن في الآية (67) من سورة هود في شأن ثمود (وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين). (ومنهم من خسفنا به الأرض). وهذا هو عقاب قارون الثري المغرور المستكبر من بني إسرائيل، وقد أشير إليه في الآية (81) من سورة القصص. (ومنهم من أغرقنا) ونعرف أنّ هذا الكلام إشارة إلى عقاب فرعون وهامان وجنودهما، وقد ذكرت هذه القصّة في سور متعددة من القرآن الكريم. وعلى كل حال، فمع الإلتفات لهذا البيان فإن أنواع العذاب الأربعة ذكرت هنا للطوائف الأربع المذكورين في الآيتين المتقدمتين. حيث اشارتا إلى ضلالهم وانحرافهم وذنوبهم دون أن تذكرا عقابهم. ولكن من البعيد أن تشمل هذه الأنواع الأربعة من العذاب الواردة في هذه الآية أقواماً آخرين، كما يقول بعض المفسّرين. "كالغرق لقوم نوح، وإمطار الحجارة والحصباء على قوم لوط" لأنّ عقابهم مذكور هناك وفي موارد ذكرهم ولا حاجة للتكرار هنا، وأمّا عقاب الفئات الاربع فلم يذكر في هذه السلسلة من الآيات، ولذا بينه الله سبحانه في الآيتين الأخيرتين. ويبيّن في ختام الآية التأكيد على هذه الحقيقة، وهي أنّ ما أصابهم هو بسبب أعمالهم، وهم زرعوا فحصدوا (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهميظلمون). أجل، إنّ عقاب هذه الدنيا والآخرة هو تجسيد أعمالهم، حيث يغلقون جميع طرق الإصلاح في وجوههم. فالله أكثر عدلا وأسمى من أن يظلم الإنسان أدنى ظلم!. وهذه الآية - كسائر كثير من آيات القرآن - تثبت أصل الحرية في الإرادة والإختيار عند الإنسان، وتقرر أن التصميم في كل مكان يصدر من الإنسان نفسه. وقد خلقه الله حرّاًويريده حرّاً.. فعلى هذا يبطل اعتقاد أتباع مذهب "الجبر" الذين لهم وجود بين المسلمين - مع الأسف - بهذا المنطق القوي للقرآن الكريم. ﴿وَقَارُونَ﴾ وأهلكنا قارون ولعله قدم لنسبه ﴿وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ فائتين أمرنا بل أدركهم.