ثمّ يضيف القرآن (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون)(4).
يمكن أن تكون هذه الآية توضيحاً لإحاطة عذاب جهنّم في يوم القيامة بالكفار، ويمكن أن تكون بياناً مستقلا لذلك العذاب الأليم لهم الذي يحيط بهم اليوم على أثر أعمالهم، وفي غد يتجلى هذا العذاب بوضوح ويكون محسوساً ظاهراً.
وعلى كل حال فذكره لإحاطة العذاب (من فوقهم ومن تحت أرجلهم)وعدم ذكره لبقية الجهات - في الحقيقة - هو لوضوح المطلب، وإضافة إلى ذلك فإن نار العذاب اذا امتدت ألسنتها من تحت الأرجل ونزلت على الرؤوس، فإنها تحيط بجميع البدن أيضاً وتغشى جميع أطرافه وجوانبه.
وأساساً فإنّ هذا التعبير مستعمل في اللغة العربية، إذ يقال مثلا: إن فلاناً غارق من قرنه إلى قدمه في مستنقع الفسق وعدم العفة، أى إن جميع وجوده غارق في هذا الذنب، وبهذا يرتفع الإشكال عند المفسّرين في ذكر القرآن للجهة العليا "من فوقهم" والجهة السفلى "من تحتهم" والسكوت عن الجهات الأربع الأُخرى، ويتّضح المراد منه بالتقرير الذي بيّناه!
أمّا جملة (ذوقوا ما كنتم تعملون) التي يظهر أن قائلها هو الله تعالى، فهي بالإضافة إلى أنّها نوع من العقوبة النفسية لمثل هؤلاء الأشخاص، فهي كاشفة عن هذه الحقيقة، وهي أن عذاب الله ليس إلاّ انعكاساً للأعمال التي يقوم بها الإنسان نفسه في النشأة الآخرة!.
ملاحظات
1 - دلائل إعجاز القرآن:
لا شك أنّ القرآن أعظم معجزة للإسلام... معجزة بليغة، خالدة وباقية، مناسبة لكل عصر وزمان ولجميع الطبقات الإجتماعية، وقد ذكرنا بحثاً مفصلا عن إعجاز القرآن في ذيل الآية 23 من سورة البقرة، ولا حاجة إلى إعادته هنا.
2 - التشبث بالحيل لإنكار المعجزات:
يصرُّ بعض العلماء المتأثرين بالغرب - الذين يميلون إلى أن لا يعتدّوا بظواهر الأنبياء الخارقة للعادة - أنّ النّبي(ص)ليس له معجزة غير القرآن، وربّما يرون القرآن ليس معجزاً، في حين أنّ مثل هذا الكلام مخالف لآيات القرآن، وللرّوايات المتواترة، وللتأريخ الإسلامي أيضاً.
"وقد بيّنا تفصيل هذا الكلام في ذيل الآيات 90 - 93 من سورة الإسراء".
3 - المعجزات الإقتراحيّة:
كانت أساليب المخالفين للأنبياء دائماً هي اقتراحهم المعجزات التي يرتؤونها، وكانوا بعملهم هذا يحاولون أن يحطّوا من قيمة المعجزات وعظمتها ويجروها إلى الإبتذال من جهة، وأن تكون في أيديهم ذريعة إلى عدم قبول دعوة الأنبياء من جهة أُخرى، لكن الأنبياء لم يستسلموا لهذه المؤامرات أبداً.. وكما رأينا في إجابتهم آنفاً، فإن المعجزة ليست باختيارهم لتكون مطابقة "لميلكم وهوسكم" كل يوم وكل ساعة نأتي بمعجزة كما تريدون... بل المعاجز هي بأمر الله فحسب، وهي خارجة عن أمرنا.
"وقد ذكرنا شرحاً حول المعجزة الإقتراحية في ذيل الآية 20 من سورة يونس".
﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ﴾ ظرف لمحيطة ﴿مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ يغطيهم مبتدئا من الجهتين ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي جزاءه.