لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول يعتقد كثير من المفسّرين أنّ الآية - من هذا المقطع - نزلت في شأن المؤمنين الذين كانوا تحت ضغط الكفار الشديد، حتى أنّهم لم يستطيعوا أن يؤدوا وظائفهم الإسلامية، فجاءت هذه الآية لتأمرهم بالهجرة من هذه الأرض. كما يعتقد بعض المفسّرين أيضاً أنّ الآية (وكأين من دابة لا تحمل رزقها)وهي الآية الأخيرة - من المقطع محل البحث نزلت في شأن بعض المؤمنين الذين كانوا يتعرضون لأذى أعدائهم في مكّة! وكانوا يقولون لو هاجرنا إلى المدينة فليست لدينا دار ولا أرض، من يطعمنا ويسقينا هناك؟ فنزلت الآية (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإيّاكم...). التّفسير لابدّ من الهجرة: حيث أنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن مواقف المشركين المختلفة من الإسلام والمسلمين، ففي الآيات محل البحث يقع الكلام عن حال المسلمين ومسؤولياتهم قبال المشاكل المختلفة، أي مشاكل أذى الكفار وضغوطهم وقلّة عدد المسلمين وما إلى ذلك، فتقول الآية الأولى: (يا عبادى الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإيّاي فاعبدون). وبديهي أنّ هذا ليس قانوناً خاصاً بمؤمني أهل مكّة، ولا يحدد سبب النّزول مفهوم الآية الواسع المنسجم مع الآيات الأُخرى... فعلى هذا لو سلب الإنسان حريته في أي عصر أو زمان ومكان بشكل كامل، فإنّ بقاءه هناك لا يجلب عليه إلاّ الذل "والخسران والضرر" والإبتعاد عن أداء المناسك الإلهية، فوظيفة الإنسان المسلم عندئذ الهجرة إلى منطقة "حرّة" يستطيع أن يؤدي فيها وظائفه الإسلامية بحرية تامّة أو حرية نسبية. وبتعبير آخر: إنّ الهدف من خلق الإنسان أن يكون عبداً لله، عبودية هي في الواقع سبب للحرية والكرامة والإنتصار في جميع الجهات... وجملة(فإيّاي فاعبدون) إشارة إلى هذا المعنى، كما ورد هذا التعبير في الآية (56) من سورة الذاريات (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون). فمتى ما أصبح هذا الهدف الأساسي والنهائي مستحيلا، فلا سبيل عندئذ إلاّ الهجرة، فأرض الله واسعة، وينبغي أن يهاجر الفرد نحو منطقة أُخرى، ولا يكون أسيراً لمفاهيم "القبلية والقومية والوطنية والبيت والأهل" في مثل هذه الموارد، ولا يذل الإنسان نفسه من أجلها، فإنّ احترام هذه الأُمور هو فيما لو كان الهدف الأصلي قائماً غير مخاطر به، أمّا إذا أصبح الهدف الأصلي "عبادة الله" مخاطراً به فلا سبيل إلاّ الهجرة! وفي مثل هذه الموارد يقول الإمام أمير المؤمنين علي(ع): "ليس بلد بأحق بك من بلدك، خير البلاد ما حملك" (1). صحيح أنّ حب الوطن والعلاقة بمسقط الرأس جزء من طبيعة كل إنسان، ولكن قد يتفق أن تحدث في حياة الإنسان مسائل أهم من تلك ا لأُمور، فتجعلها تحت شعاعها وتكون أولى منها. وفي مجال موقف الإسلام ونظرته من مسألة الهجرة والرّوايات الواردة في هذا الصدد، كان لنا بحث مفصل في ذيل الآية (100) من سورة النساء. والتعبير بـ(يا عبادي) هو أكثر التعابير رأفة وحبّاً للناس من قبل خالقهم. وتاج للفخر أعلى حتى من مقام الرسالة والخلافة، كما نذكر ذلك في التشهد حيث نقدم العبودية على الرسالة دائماً "أشهد أن محمّداً عبده ورسوله". من الطريف أنّه حين خلق الله آدم لقبه بـ "خليفة الله"، وهو فخر لآدم، إلاّ أن الشيطان لم ييأس من التسويل والوسوسة له، فكان ما كان، ولكن حين بوأه مقام العبودية أذعن الشيطان له ويئس من إغوائه وقال: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين).(2) والله سبحانه ضمن هذا الأمر فقال: (إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان).(3) ويتّضح ممّا ذكرناه - بصورة جيدة - أنّ المراد بالعباد ليس جميع الناس - في الآية محل البحث - بل هم المؤمنون منهم فحسب، وجملة (الذين آمنوا) جاءت للتأكيد والتوضيح(4). وحيث أنّ البعض بقوا في ديار الشرك، ولم يرغبوا بالهجرة بذريعة أنّهم يخشون الخروج من ديارهم ويخافون أن يحدق بهم الموت بسبب الأعداء أو الجوع أو العوامل الأُخرى التي تهددهم... إضافة إلى فراق الأحبّة والمتعلقين والأبناء والأصدقاء، فإنّ القرآن يردّهم بجواب جامع قائلا: (كل نفس ذائقة الموت ثمّ إلينا ترجعون). فهذه الدنيا ليست بدار بقاء لأي أحد، فبعض يمضي عاجلا، وبعض يتأخر، ولابدّ أن يذهبوا جميعاً، وعلى كل حال ففراق الأحبة والأبناء والأقارب لابدّ أن يقع ويتحقق، فعلام يبقى الإنسان في ديار الشرك من أجل المسائل العابرة.. وأن يحمل عبء الذل والأسر على كاهله، أكلّ ذلك من أجل أن يبقى بضعة أيّام أو أكثر؟! ثمّ بعد هذا كلّه ينبغي أن تخافوا أن يدرككم الموت في ديارالكفر والشرك قبل أن تبلغوا دار الاسلام، فما أشد ألم مثل هذا الموت وما أتعسه! ثمّ لا تظنوا أن الموت نهاية كل شيء، فالموت بداية لحياة الإنسان الأصلية، لأنّكم جميعاً (إلينا ترجعون).. إلى الله العظيم، وإلى نعمه التي لاحدّ لها ولا انتهاء لأمدها. ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ فهاجروا عن أرض لم يتيسر لكم فيها العبادة إلى أرض يتيسر فيها ﴿فَإِيَّايَ﴾ نصب بما يفسره ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ والفاء جواب شرط مقدر أي إن لم تخلصوا للعبادة لي في الأرض فأخلصوها في غيرها.