والآية التالية تصف أهمّ ما يتحلّى به المومنون العاملون فتقول: (الذين صبروا وعلى ربّهم يتوكلون).
إذ يبتعدون عن الزوجة والأولاد والأهل والبيت والأحباب والأصدقاء وكل شيء عزيز عليهم، لكنّهم يصبرون برغم الفراق يذوقون مرارة الغربة والتهجير عن أوطانهم و يصبرون، وتتلقى أنفسهم العذاب والأذى من أعدائهم من أجل حفظ إيمانهم، ويواجهون الصعاب في جهادهم الأكبر "جهادهم مع النفس" وجهادهم اعداءهم بشدّة، ويتحملون أنواع المشاكل فيصبرون!
أجل، هذا الصبر وهذه الإستقامة هما رمز انتصارهم وعامل فخرهم الكبير، وبدونه لا يتحقق عمل إيجابي في الحياة.
ثمّ بعد هذا كلّه، فهم لا يعتمدون على أموالهم ولا على أصدقائهم، بل يعتمدون على الله ويتوكلون على ذاته المقدسة، وإذ ابتغى ألف عدو هلاكهم تمثلوا قائلين: "امتحانك رحمة فلا أكترث بالأعداء".
وإذ أمعنا النظر وفكّرنا جيداً رأينا أن الصبر والتوكل هما أساس جميع الفضائل الإنسانية، فالصبر هو عامل الإستقامة أمام العوائق والمشاكل، والتوكل هو الهدف والباعث على الحركة في هذا الطريق المديد الملتوي.
وفي الحقيقة ينبغي الإستمداد من هاتين الفضيلتين (الصبر والتوكل) للأعمال الصالحة، إذ بدونهما لا يمكن أن تؤدى الأعمال الصالحة بالمقياس الواسع(7).
﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ على أذى الكفر والبليات ومشقة الهجرة أو الطاعات ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾ لا غيره ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾ في المهمات.