ثمّ يضيف القرآن تأكيداً لهذا المعنى، وهو أن الله خالق الخلق ورازقهم، فيقول: (الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له)... فمفتاح الرزق بيده لا بيد الناس ولا بيد الأصنام.
وما ورد بيانه في الآيات السابقة من أنّ المؤمنين حقّاً هم وحدهم يتوكلون عليه، فلأجل هذا المعنى، وهو أن شيء بيده وبأمره، فعلام يخشون من إظهار الإيمان، ويرون حياتهم في خطر من جهة الأعداء.
وإذا كانوا يتصورون أنّ الله قادر، إلاّ أنّه غير مطّلع على حالهم، فهذا خطأ كبير لـ(أنّ الله بكل شيء عليم).
ترى هل يمكن لخالق مدبر يصل فيضهُ لحظة بعد أُخرى لموجوداته، وفي الوقت ذاته يكون جاهلا بحالها؟.
وفي المرحلة الثّانية يقع الكلام عن "التوحيد الربوبي" ونزول مصدر الأرزاق من قبله عليهم، فيقول: (ولئن سألتهم من نزّل من ا لسماء ماءً فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله).
فهذا هو ما يعتقده عبدة الأصنام في الباطن، ولا يتأبون من الاعتراف على ألسنتهم! فهم يعرفون أن الخالق هو الله، وأنّه ربّ العالم ومدبره.
ثمّ يضيف القرآن مخاطباً نبيّه (قل الحمد لله).
فالحمد والثناء لمن أنعمجميع النعم، إذ لمّا كان الماء الذي هو مصدر الحياة لجميع الحيوانات من رزق الله فيكون واضحاً أن الأرزاق جميعها صادرة من قبله أيضاً.
قل الحمد لله "واشكره"، لأنّهم يعترفون بهذه الحقائق.
وقل الحمد لله، فمنطقنا قوي متين حيٌّ إلى درجة لا يستطيع أي أحد ابطاله أو تفنيده.
وحيث أنّ أقوال المشركين من جهة، وأعمالهم وأفعالهم وكلماتهم من جهة أُخرى، يناقض بعضها بعضاً، فإنّ الآية تختتم بإضافة الجملة التالية (بل أكثرهم لا يعقلون).
وإلاّ فكيف يمكن للإنسان العاقل أن يتناقض في كلماته، فتارةً يرى أن الخالق والرازق والمدبّر للعالم هو الله، وتارة يسجد للأوثان التي لا تأثير لها بالنسبة لعواقب الناس!.
فمن جهة يعتقدون بتوحيد الخالق والرب، ومن جهة أُخرى يظهرون الشرك في العبادة.
ومن الطريف أنّ الآية لا تقول: "أكثرهم لا عقل لهم" بل تقول: (لا يعقلون)ومعناها أنّهم لديهم العقول، إلاّ أنّهم لا يستوعبون ولا يتعقلون!
﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ يوسعه ﴿لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ﴾ يضيق ﴿لَهُ﴾ بعد البسط فالأمران لواحد أو ويقدر لمن يشاء على وضع الهاء موضعه مبهمة مثله فليسا لواحد ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يعلم موضع البسط والتقتير.