وفي المرحلة الثّانية يقع الكلام عن "التوحيد الربوبي" ونزول مصدر الأرزاق من قبله عليهم، فيقول: (ولئن سألتهم من نزّل من ا لسماء ماءً فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله).
فهذا هو ما يعتقده عبدة الأصنام في الباطن، ولا يتأبون من الاعتراف على ألسنتهم! فهم يعرفون أن الخالق هو الله، وأنّه ربّ العالم ومدبره.
ثمّ يضيف القرآن مخاطباً نبيّه (قل الحمد لله).
فالحمد والثناء لمن أنعمجميع النعم، إذ لمّا كان الماء الذي هو مصدر الحياة لجميع الحيوانات من رزق الله فيكون واضحاً أن الأرزاق جميعها صادرة من قبله أيضاً.
قل الحمد لله "واشكره"، لأنّهم يعترفون بهذه الحقائق.
وقل الحمد لله، فمنطقنا قوي متين حيٌّ إلى درجة لا يستطيع أي أحد ابطاله أو تفنيده.
وحيث أنّ أقوال المشركين من جهة، وأعمالهم وأفعالهم وكلماتهم من جهة أُخرى، يناقض بعضها بعضاً، فإنّ الآية تختتم بإضافة الجملة التالية (بل أكثرهم لا يعقلون).
وإلاّ فكيف يمكن للإنسان العاقل أن يتناقض في كلماته، فتارةً يرى أن الخالق والرازق والمدبّر للعالم هو الله، وتارة يسجد للأوثان التي لا تأثير لها بالنسبة لعواقب الناس!.
فمن جهة يعتقدون بتوحيد الخالق والرب، ومن جهة أُخرى يظهرون الشرك في العبادة.
ومن الطريف أنّ الآية لا تقول: "أكثرهم لا عقل لهم" بل تقول: (لا يعقلون)ومعناها أنّهم لديهم العقول، إلاّ أنّهم لا يستوعبون ولا يتعقلون!
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ فكيف يشركون به الجماد ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ على ما وفقك لتوحيده أو على إلزامهم الحجة ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ أن إقرارهم به مبطل لشركهم.