سبب النزول
نقل في تفسير "الدر المنثور" عن ابن عباس - ذيل الآية محل البحث - أن جماعة من المشركين قالو: يا محمّد ما يمنعنا أن ندخل في دينك إلاّ مخافة أن يتخطفنا الناس لِقلَّتنا والعرب أكثر منّا فمتى بلغهم أنا قد دخلنا في دينك اختطفنا فكنّا أكلة رأس، فانزل الله: (أولم يروا أنا جعلنا حرماً) وكانت جواباً لهم.
التّفسير
أشارت الآيات - التي سبق ذكرها - إلى بعض الحجج الواهية للمشركين، وهي أنّنا نخاف على حياتنا إذا أظهرنا الإيمان ثمّ هاجرنا معك يا رسول الله، وقد ردّ عليها القرآن بطرق مختلفة.
وفي الآيات - محل البحث - يردّ القرآن عليهم بطريق آخر فيقول: (أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً) أي أرض مكّة المكرمة.
في حين أن العرب كانوا يعيشون في حالة غير آمنة خارج مكّة، وكانت قبائلهم مشغولة بالنهب والسلب والغارات، إلاّ أن هذه الأرض باقية على أمنها (ويُتخطف الناس من حولهم).
فالله المقتدر على أن يجعل في هذا البحر المتلاطم والطوفان المحدق بأرض الحجاز "من الفتن" حَرَم مكّة كالجزيرة الهادئة الآمنة وسط البحر.
كيف لا يمكنه أن يحفظهم من أعدائهم؟! وكيف يخافون الناس الضعاف قبال قدرة الله العظيمة جلّ وعلا؟ (أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون).
وملخص الكلام، إنّ الله القادر على أن يجعل في أرض مضطربة في وسط جماعة من الناس أنصاف وحشيين منطقة صغيرة آمنة، فكيف لا يقدر على حفظ جماعة المؤمنين القلائل بين جماعات كثيرة من الكفار.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا﴾ بلدهم مكة ﴿حَرَمًا آمِنًا﴾ أهله من القتل والأسر والنهب ﴿وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ بالتغاور قتلا وأسرا ونهبا دونهم ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ﴾ أبعد هذه النعمة وغيرها بالصنم ﴿يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ بإشراكهم به.