لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وحيث أن كل نعمة وموهبة ينالها الإِنسان تحمّله وظائف ومسؤوليّات وعليه أداؤها، فإن القرآن يوجه الخطاب للنبي(ص) في الآية التالية قائلا: (فآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل). وينبغي أن لا تتصور عند سعة الرزق أن ما عندك هولك فقط، بل إنّ للآخرين في مالك حقّاً أيضاً، ومن هؤلاء الأقارب والمساكين الذين باتوا متربين لشدة الفقر، وكذلك الأعزة الذين ابتعدوا عن الوطن وانقطع بهم الطريق نتيجة حوادث معينة وهم محتاجون!... والتعبير بـ "حقّه" كاشف عن أنّهم شركاء في أموال الإِنسان، وإذا دفع المرء شيئاً من ماله إليهم فإنّما يؤدي حقهم، وليس له منٌّ عليهم!. وهناك جماعة من المفسّرين يرون أنّ المخاطب في هذه الآية هو النّبي(ص)فحسب، وأن "ذا القربى" أرحامه، وقد ورد في رواية عن أبي سعيد الخدري وغيره مايلي: "لما نزلت هذه الآية على النّبي أعطى فاطمة فدكاً وسلّمها إليها".(3) وبالمضمون نفسه نقل عن الإِمام الباقر والصادق(ع) أيضاً.(4) وقد ورد المعنى نفسه مفصلا في احتجاج فاطمة الزهراء(ع) على أبي بكر في قضية فدك، وذلك في رواية عن الإِمام الصادق(ع).(5) غير أنّ جماعة من المفسّرين قالوا: إنّ الخطاب في هذه الآية عام، وهو يشمل النّبي(ص) وغيره، وطبقاً لهذا التّفسير فإنّ جميع الناس عليهم أن لا ينسوا حق ذوي القربى أيضاً. وبالطبع فإنه لا منافاة في الجمع بين التّفسيرين، وعلى هذا فإن مفهوم الآية مفهوم واسع، والنّبي(ص) وقرباه وخاصة فاطمة الزهراء(ع) هم المصداق الأتم لهذه الآية. ومن هنا يتّضح أن لا منافاة لأي من التفاسير الآنفة مع كون السورة مكّية، لأنّ مفهوم الآية مفهوم جامع ينبغي العمل به في مكّة وفي المدينة أيضاً، وحتى خبر إعطاء "فدك" لفاطمة(ع) على أساس هذه الآية مقبول جدّاً. الشيء الوحيد الذي يبقى هنا، هو جملة "لما نزلت هذه الآية.... " في رواية أبي سعيد الخدري، إذ أن ظاهرها أن إعطاء فدك كان بعد نزول الآية، ولكن لو أخذنا كلمة "لما" به معنى العلة، لا بمعنى الزمان الخاص، ينحل هذا الإِشكال، ويكون مفهوم الآية أن الرّسول(ص) أعطى فاطمة فدكاً لأمر الله إياه، أضف إلى ذلك فإن بعض آيات القرآن يتكرر نزولها!. ولكن لم ذكر هؤلاء الثلاثة من بين جميع المحتاجين وأصحاب الحق؟ لعل ذلك لأهميتهم، لأنّ حق ذى القربى أهم وأعلى من أي حق سواه، ومن بين المحرومين والمحتاجين فإنّ المساكين وأبناء السبيل أحوج من الجميع!. أو أن ذلك لما أورده "الفخر الرازي" هنا إذ يقول: "في تخصص الأقسام الثلاثة بالذكر دون غيرهم، مع أن الله ذكر الأصناف الثمانية في الصدقات، فنقول: أراد هاهنا بيان من يجب الإِحسان إليه على كل من له مال، سواء كان زكوياً أم لم يكن، وسواءً كان بعد الحول أو قبله، لأنّ المقصود هاهنا الشفقة العامة، وهؤلاء الثلاثة يجب الإِحسان إليهم وإن لم يكن للمحسن مال زائد، أمّا القريب فتجب نفقته وإن كان لم تجب عليه زكاة كمال القاصرين أو مال لم يحل عليه الحول، والمسكين كذلك فإنّ من لا شيء له إذا بقي في ورطة الحاجة حتى بلغ الشدة، يجب على من له مقدرة دفع حاجته وإن لم يكن عليه زكاة، وكذلك من انقطع في مفازة ومع آخر دابةٌ يمكنُه بها إيصاله إلى مأمن، يلزمه ذلك، وإن لم تكن عليهزكاة، والفقير داخل في المسكين، لأنّ من أوصى للمساكين شيئاً يصرف إلى الفقراء أيضاً "فما ذكرته الآية من ترتيب لهؤلاء إنّما يناسب شأنهم".(6) و على كل حال فإنّ القرآن يبيّن في نهاية الآية ترغيباً للمحسنين، وشَرَطَ القبول ضمناً، فيقول: (ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأُولئك هم المفلحون). أُولئك المفلحون في هذه الدنيا، لأنّ الإِنفاق يجلب معه البركات العجيبة، وفي الآخرة أيضاً، لأنّ الإنفاق هو أكثر الأعمال ثقلا في ميزان الله يوم القيامة. ومع الإِلتفات إلى أن المراد من (وجه الله) ليس هو المحيّا الجسماني، إذ ليس له تعالى وجه جسماني، بل هو بمعنى ذاته المقدّسة، فإن هذه الآية تشير إلى أن الإِنفاق وإيتاء حق الأقارب وأصحاب الحق الآخرين ليس كافياً، بل المهم هو الإِخلاص والنية الطاهرة والخالية من أي أنواع الرياء والمنة والتحقير وانتظار الأجر والثواب. وخلافاً لما ذهب إليه بعض المفسّرين. من أنّ الانفاق لغرض الوصول إلى الجنّة ليس مصداقاً لوجه الله، فان جميع الأعمال التي يؤديها الإِنسان وفيها نوع من الإِرتباط بالله، سواء كانت لمرضاته أو ابتغاء ثوابه أو للنجاة من جزائه، فكلها مصداق لوجه الله، وإن كانت المرحلة العليا والكاملة من ذلك أن لا يبتغي الإِنسان من وراء عمله إلاّ الطاعة والعبودية المحضة!. (فأت ذا القربى حقه) أقربائك فرضهم من الخمس وعن الصادق (عليه السلام) لما نزلت أعطى (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة فدكا (والمسكين وابن السبيل) حقهما من الزكاة (ذلك خير للذين يريدون) بمعروفهم (وجه الله) جهة التقرب إليه لا جهة أخرى (وأولئك هم المفلحون) الفائزون بالنعيم الباقي .