وفي الآية التالية يقع الكلام عن إرسال الأنبياء إلى قومهم، في حين أن الآية التي بعدها تتحدث عن هبوب الرياح مرّة أُخرى، ولعل وجود هذه الآية بين آيتين تتحدثان عن نعمة هبوب الرياح له جانب اعتراضي، كما يذهب إلى ذلك بعض المفسّرين.
ولعل ذكر النبوّة إلى جانب هذه المسائل، إنّما هو لإكمال البحث المتعلق بالمبدأ والمعاد، إذْ ورد البحث عنهما مراراً في هذه السورة كما قاله بعض المفسّرين.
ويمكن أن يكون وجود هذه الآية إنذاراً لأُولئك الذين يتمتعون بجميع هذه النعم الكثيرة ويكفرون بها.
وعلى كل حال، فإنّ الآية تقول: (ولقد أرسنا رسلنا إلى قومهم فجاءوهم بالبيّنات) أي المعجزات والدلائل الواضحة والبراهين العقلية، فاستجاب جماعة منهم لهذه الدلائل، ولم يستجب آخرون لها برغم النصائح (فانتقمنا من الذين أجرموا) ونصرنا المؤمنين (وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين).
والتعبير بـ "كان" التي تدل على أن هذه السنة لها جدر عميق، والتعبير بـ "حقّاً" وبعده التعبير بـ "علينا" هو بنفسه مبين للحق ومشعر به، جميع هذهالألفاظ تأكيدات متتابعة في هذا المجال وتقديم "حقاً علينا" على "نصر المؤمنين" الذي يدل على الحصر، هو تأكيد آخر.
وبالمجموع تعطي الآية هذا المعنى "إن نصر المؤمنين من المسلّم به هو في عهدتنا وهذا الوعد سنجعله عملياً دون الحاجة إلى نصر من الآخرين".
وهذه الجملة - ضمناً - فيها تسلية وطمأنة لقلوب المسلمين، الذين كانوا حينئذ في مكّة تحت ضغوط الأعداء واضطهادهم وكان الأعداء أكثر عَدَداً وعُدَداً.
وأساساً فإنّ أعداء الله طالما كانوا غرقى في الآثام والذنوب، فإنّ ذلك بنفسه أحد عوامل انتصار المؤمنين، لأنّ الذنب سيدمرهم آخر الأمر ويهيء وسائل هلاكهم بأيديهم، ويرسل عليهم نقمة الله.
(ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات) فكذبوهم (فانتقمنا من الذين أجرموا) بالإهلاك (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) بالحجة والبرهان أو في الرجعة .