ثمّ تأتي الآية الأُخرى بعدها فتقول: (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين)(3).
وإنّما يدرك هذا اليأس أو تلك البشارة أمثال العرب الذين يعيشون في رحلاتهم وتنقّلهم في الصحراء، ولحياتهم علاقة وصلة قريبة مع هذه القطرات، فأُولئك يتفق أحياناً أن يلقى اليأس ظلاله السوداء على أنفسهم الظمأى، كما أن أراضيهم ومزارعهم تبدو عليها آثار العطش، وفجأة تهب الرياح المبشرة بنزول المطر، الرياح التي يشمّ من خلالها رائحة "الغيث"! وتمرّ لحظات، فتتسع الغيوم في السماء ثمّ تغلظ وتكون أكثر كثافةً، ثمّ ينزل "القطر" والغيث، وتمتلىء الحفر بالماء الزلازل، وتفيض الروافد والسواقي الصغيرة والكبيرة من هذه المائدة السماوية، وتعود الحياة النضرة إلى الأرض اليابسة، كما تتبرعم الآمال في قلوب الرحّل في الصحراء ويشرق الأمل في قلوبهم، وتنجلي عنها غيوم الظلمة واليأس والقنوط!
ويبدو أن تكرار كلمة "من قبل" في الآية للتأكيد، إذ تبيّن الآية أن الوجوه كانت عابسة متجهمة من قبل المطر بلحظات، أجل... لحظات قبل المطر، وهم قلقون ولكن حين ينزل عليهم الغيث... تشرق فجأة الوجوه وتبتسم الشفاه، فكم هو موجود ضعيف هذا الإنسان! وكم هو رحيم هذا الربّ.
ومثل هذا التعبير وارد في كلماتنا العرفية حيث نقول مثلا: إن فلاناً كان بالامس، نعم بالامس صديقاً لنا، واليوم هو من اعدائنا... والهدف من هذا التكرار هو التأكيد على تغيير حالات الإنسان.
(وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله) كرر تأكيدا وقيل الهاء للإرسال (لمبلسين) لابسين .