أمّا الآية التالية فتتحدث عن جواب المؤمنين المطلعين على كلام المجرمين الغافلين عن حالة البرزخ والقيامة فتقول: (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنّكم كنتم لاتعلمون).
وتقديم العلم على الإيمان هو لأنّ العلم أساس الإيمان.
والتعبير (في كتاب الله) لعله إشارة إلى الكتاب التكويني، أو إلى الكتاب السماوي، أو إشارة إليهما معاً، أي كان - بأمر الله التكويني والتشريعي - مقدّراً أن تلبثوا مثل هذه المدّة في البرزخ، ثمّ تحشرون في يوم القيامة(3).
وفي أن المقصود بـ (الذين أوتوا العلم والإيمان) من هم ؟!
قال بعض المفسّرين: هي إشارة إلى ملائكة الله الذين لهم علم وهم مؤمنون أيضاً.
وقال بعضهم: المقصود هم المؤمنين العالمون، والمعنى الثّاني أظهر طبعاً.
وما ورد في بعض الرّوايات من تفسير هذه الآية بالأئمّة الطاهرين، فهو من قبيل المصداق الواضح لها، ولا يحدد معناها الوسيع.
وهذه اللطيفة جديرة بالإلتفات، وهي أن بعض المفسّرين قالوا: إنّ ما قاله المجرمون مقسمين بأنّهم ما لبثوا غير ساعة، وما ردّه عليهم الذين أوتوا العلم والإيمان بأنّهم لبثوا إلى يوم البعث، هذه المحاورة والكلام منشؤهما أنّ الطائفة الأُولى - لأنّهم كانوا يتوقعون العذاب - كانوا يرغبون في تأخيره، وكانت الفاصلة وإن طالت بالنسبة لهم قصيرة جدّاً عندهم.
أمّا الطائفة الثّانية فلأنّهم كانوا ينتظرون الجنّة ونعمها الخالدة وراغبين في تقديمها، فكانوا يرون الفاصلة طويلة جدّاً(4).
(وقال الذين أوتوا العلم والإيمان) من الملائكة وغيرهم (لقد لبثتم في كتاب الله) في علمه أو اللوح أو ما كتبه أي أوجبه أو القرآن من قوله ومن ورائهم برزخ (إلى يوم البعث) الذي أنكرتموه (ولكنكم كنتم لا تعلمون) وقوعه لعدم النظر .