لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول قال بعض المفسّرين: إنّ الآية الاُولى من هذه الآيات نزلت في "النضر بن الحارث"، فقد كان تاجراً يسافر إلى ايران، وكان يحدّث قريشاً بقصص الإيرانيين وأحاديثهم، وكان يقول: إذا كان محمّد يحدّثكم بقصص عاد وثمود فإنّي اُحدّثكم بقصص رستم وإسفنديار وأخبار كسرى وسلاطين العجم، فكانوا يجتمعون حوله ويتركون إستماع القرآن. وقال البعض الآخر: إنّ هذا المقطع من الآيات نزل في رجل اشترى جارية مغنّية، وكانت تغنّيه ليل نهار فتشغله عن ذكر الله. يقول المفسّر الكبير الطبرسي (رحمه الله)، بعد ذكر سبب النّزول هذا: وقد روي حديث عن النّبي (ص) في هذا الباب يؤيّد سبب النّزول أعلاه، لأنّه (ص) قال: "لا يحلّ تعليم المغنّيات ولا بيعهن، وأثمانهنّ حرام، وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث...)". التّفسير الغناء أحد مكائد الشياطين الكبيرة. الكلام في هذه الآيات عن جماعة يقعون تماماً في الطرف المقابل لجماعة المحسنين والمؤمنين الذين ذكروا في الآيات السابقة. الكلام والحديث هنا عن جماعة يستخدمون طاقاتهم من أجل بثّ اللاهدفية وإضلال المجتمع، ويشترون شقاء وبؤس دنياهم وآخرتهم! فتقول أوّلا: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزواً)(1) ثمّ تضيف أخيراً: (اُولئك لهم عذاب مقيم). إنّ شراء لهو الحديث والكلام الأجوف إمّا أن يتمّ عن طريق دفع المال في مقابل سماع الخرافات والأساطير، كما قرأنا ذلك في قصّة النضر بن الحارث. أو أن يكون عن طريق شراء المغنّيات لعقد مجالس اللهو والباطل والغناء. أو صرف المال بأيّ شكل كان وفي أي طريق للوصول إلى هذا الهدف غير المشروع، أي لهو الحديث والكلام الفارغ. والعجيب أنّ عمي القلوب هؤلاء، كانوا يشترون الكلام الباطل واللهو بأغلى القيم والأثمان، ويعرضون عن الآيات الإلهية والحكمة التي منحهم الله إيّاها مجّاناً! ويحتمل أيضاً أن يكون للشراء هنا معنى كنائي، والمراد منه كلّ أنواع السعي للوصول إلى هذه الغاية. وأمّا (لهو الحديث) فإنّ له معنىً واسعاً يشمل كلّ نوع من الكلام أو الموسيقى أو الترجيع الذي يؤدّي إلى اللهو والغفلة، ويجرّ الإنسان إلى اللاهدفيّة أو الضلال، سواء كان من قبيل الغناء والألحان والموسيقى المهيّجة المثيرة للشهوة والغرائز والميول الشيطانية، أو الكلام الذي يسوق الإنسان إلى الفساد عن طريق محتواه ومضامينه، وقد يكون عن كلا الطريقين كما هو الحال في أشعار وتأليفات المغنّين الغراميّة العاديّة المضلّلة في محتواها وألحانها. أو يكون كالقصص الخرافية والأساطير التي تؤدّي إلى إنحراف الناس عن الصراط المستقيم. أو يكون كلام الإستهزاء والسخرية الذي يطلق بهدف محو الحقّ وتضعيف أُسس ودعائم الإيمان، كالذي ينقلونه عن أبي جهل أنّه كان يقف على قريش ويقول: أتريدون أن اُطعمكم من الزقّوم الذي يتهدّدنا به محمّد؟ ثمّ يبعث فيحضرون الزبد والتمر، فكان يقول: هذا هو الزقّوم! وبهذا الاُسلوب كان يستهزيء بآيات الله. وعلى كلّ حال، فإنّ للهو الحديث معنىً واسعاً يتضمّن كلّ هذه المعاني وأمثالها، وإذا أشارت الروايات الإسلامية وكلمات المفسّرين إلى إحداها، فإنّ ذلك لا يدلّ مطلقاً على إنحصار معنى الآية فيه. وتلاحظ في الرّوايات الواردة عن أهل البيت (ع) تعبيرات تبيّن سعة معنى هذه الكلمة، ومن جملتها ما نراه في حديث عن الإمام الصادق (ع): "الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله، وهو ممّا قال الله عزّوجلّ: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله)"(2). والتعبير بـ (لهو الحديث) بدلا من (حديث اللهو) ربّما كان إشارة إلى أنّ الهدف الأساس لهؤلاء هو اللهو والعبث، والكلام والحديث وسيلة للوصول إليه. ولجملة (ليضلّ عن سبيل الله) مفهوم واسع أيضاً، يشمل الإضلال العقائدي، كما قرأنا ذلك في قصّة النضر بن الحارث وأبي جهل، وكذلك يشمل الإفساد الأخلاقي كما جاء في أحاديث الغناء. والتعبير بـ (بغير علم) إشارة إلى أنّ هذه الجماعة الضالّة المنحرفة لا تؤمن حتّى بمذهبها الباطل، بل يتّبعون الجهل والتقليد الأعمى لا غير، فإنّهم جهلاء يورطون ويشغلون الآخرين بجهلهم. هذا إذا إعتبرنا (بغير علم) وصفاً للمضلّين، إلاّ أنّ بعض المفسّرين اعتبر هذا التعبير وصفاً للضالّين، أي أنّهم يجرّون الناس الجهلة إلى وادي الإنحراف والباطل دون أن يعلموا بذلك لجهلهم. إنّ هؤلاء المغفّلين قد يتمادون في غيّهم فلا يقنعون بلهو هذه المسائل، بل إنّهم يجعلون كلامهم الأجوف ولهو حديثهم وسيلة للإستهزاء بآيات الله، وهذا هو الذي أشارت إليه نهاية الآية حيث تقول: (ويتّخذها هزواً). أمّا وصف العذاب بـ (المهين) فلأنّ العقوبة متناغمة مع الذنب، فإنّ هؤلاء قد استهزؤوا بآيات الله وأهانوها، ولذلك فإنّ الله سبحانه قد أعدّ لهم عذاباً مهيناً، إضافة إلى كونه أليماً. ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ ما يلهي عن الخير كالغناء والأكاذيب والمضاحك وفضول الكلام ﴿لِيُضِلَّ﴾ الناس ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ دينه ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ولا بصيرة حيث يشتري الباطل بالحق ﴿وَيَتَّخِذَهَا﴾ أي السبل﴿هُزُوًا﴾ سخرية ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ ذو إهانة.