بعد ذكر عظمة الله في عالم الخلقة، وذكر صور مختلفة من المخلوقات، وجّهت الآية الخطاب إلى المشركين، وجعلتهم موضع سؤال وإستجواب، فقالت: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذي من دونه) ؟!
من المسلّم أنّ اُولئك لم يكونوا يستطيعون ادّعاء كون أيّ من المخلوقات من خلق الأصنام، وعلى هذا فإنّهم كانوا يقرّون بتوحيد الخالق، مع هذا الحال كيف يستطيعون تعليل الشرك في العبادة؟! لأنّ توحيد الخالق دليل على توحيد الربّ وكون مدبّر العالم واحداً، وهو دليل على توحيد العبوديّة.
ولذلك اعتبرت الآية عمل اُولئك منطبقاً على الظلم والضلال، فقالت: (بل الظالمون في ضلال مبين).
ومعلوم أنّ "الظلم" له معنىً واسعاً يشمل وضع كلّ شيء في غير موضعه، ولمّا كان المشركون يربطون العبادة، وتدبير العالم أحياناً بالأصنام، فإنّهم كانوا مرتكبين لأكبر ظلم وضلالة.
ثمّ إنّ التعبير أعلاه يتضمّن إشارة لطيفة إلى إرتباط "الظلم" و "الضلال"، لأنّ الإنسان عندما لا يعرف مكانة الموجودات الموضوعية في العالم، أو يعرفها ولا يراعيها، ولا يرى كلّ شيء في مكانه، فمن المسلّم أنّ هذا الظلم سيكون سبباً للضلالة والضياع.
﴿هَذَا﴾ الذي ذكر ﴿خَلْقُ اللَّهِ﴾ مخلوقة ﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ أي آلهتكم حتى أشركتموها به ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ وضع الظاهر موضع المضمر إيذانا بالعلة.