وبعد تعريف لقمان ومقامه العلمي والحِكَمي، أشارت الآية التالية إلى اُولى مواعظه، وهي في الوقت نفسه أهمّ وصاياه لولده، فقالت: (وإذ قال لقمان لإبنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم).
إنّ حكمة لقمان توجب عليه أن يتوجّه قبل كلّ شيء إلى أهمّ المسائل الأساسية، وهي مسألة التوحيد... التوحيد في كلّ المجالات والأبعاد، لأنّ كلّ حركة هدّامة ضدّ التوجّه الإلهي تنبع من الشرك، من عبادة الدنيا والمنصب والهوى وأمثال ذلك، والذي يعتبر كلّ منها فرعاً من الشرك.
كما أنّ أساس كلّ الحركات الصحيحة البنّاءة هو التوحيد والتوجّه إلى الله، وإطاعة أوامره، والإبتعاد عن غيره، وكسر كلّ الأصنام في ساحة كبريائه!
وممّا يستحقّ الإشارة أنّ لقمان الحكيم قد جعل علّة نفي الشرك هو أنّ الشرك ظلم عظيم، وقد اُحيط بالتأكيد من عدّة جهات(4).
وأيّ ظلم أعظم منه، حيث جعلوا موجودات لا قيمة لها في مصافّ الله ودرجته، هذا من جانب، ومن جانب آخر يجرّون الناس إلى الضلال والإنحراف، ويظلمونهم بجناياتهم وجرائمهم، وهم يظلمون أنفسهم أيضاً حيث ينزلونها من قمّة عزّة العبودية لله ويهوون بها إلى منحدر ذلّة العبودية لغيره.
والآيتان التاليتان جمل معترضة ذكرها الله تعالى في طيّات مواعظ لقمان، لكنّ هذا الإعتراض لا يعني عدم الإتّصال والإرتباط، بل يعني الصلة الواضحة لكلام الله عزّوجلّ بكلام لقمان، لأنّ في هايتن الآيتين بحثاً عن نعمة وجود الوالدين ومشاقّهما وخدماتهما وحقوقهما، وجعل شكر الوالدين في درجة شكر الله.
﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ قيل كان كافرا فما زال به حتى أسلم ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ لأنه تسوية بين أشرف الموجودات وأخس المخلوقات.