وبعد تحكيم اُسس المبدأ والمعاد، والتي هي أساس كلّ الإعتقادات الدينيّة، تطرّق لقمان إلى أهمّ الأعمال، أي مسألة الصلاة، فقال: (يابنيّ أقم الصلاة) لأنّ الصلاة أهمّ علاقة وإرتباط مع الخالق، والصلاة تنوّر قلبك، وتصفّي روحك، وتضيء حياتك، وتطهّر روحك من آثار الذنب، وتقذف نور الإيمان في أنحاء وجودك، وتمنعك عن الفحشاء والمنكر.
وبعد الصلاة يتطرّق لقمان إلى أهمّ دستور إجتماعي، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول: (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر).
وبعد هذه الأوامر العمليّة المهمّة الثلاثة، ينتقل إلى مسألة الصبر والإستقامة، والتي هي من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فيقول: (واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الاُمور).
من المسلّم أنّه توجد مشاكل وعقبات كثيرة في سائر الأعمال الإجتماعية، وخاصّة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن المسلّم أيضاً أنّ أصحاب المصالح والمتسلّطين، والمجرمين والأنانيّين لا يستسلمون بهذه السهولة، بل يسعون إلى إيذاء وإتّهام الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولا يمكن الإنتصار على هذه المصاعب والعقبات بدون الصبر والتحمّل والإستقامة أبداً.
"العزم" بمعنى الإرادة المحكمة القويّة، والتعبير بـ (عزم الاُمور) هنا إمّا بمعنى الأعمال التي أمر الله بها أمراً مؤكّداً، أو الاُمور والأعمال التي يجب أن يمتلك الإنسان فيها إرادة فولاذية وتصميماً راسخاً، وأيّاً من هذين المعنيين كان فإنّه يشير إلى أهميّة تلك الأعمال.
والتعبير بـ "ذلك" إشارة إلى الصبر والتحمّل، ويحتمل أيضاً أن يعود إلى كلّ الاُمور والمسائل التي ذكرت في الآية أعلاه، ومن جملتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلاّ أنّ هذا التعبير قد ورد بعد مسألة الصبر في بعض الآيات القرآنية الاُخرى، وهذا يدعم ويقوّي الإحتمال الأوّل.
﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ من المصائب في ذلك أو مطلقا ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ من معزوماتها التي عزمها الله.