ثمّ تطرقت الآية التالية إلى بيان حال الفئة الثّانية، فقالت: (ومن كفر فلا يحزنك كفره) لأنّك قد أدّيت واجبك على أحسن وجه، وهو الذي قد ظلم نفسه.
ومثل هذه التعبيرات التي وردت مراراً في القرآن، تبيّن أنّ النّبي الأكرم (ص)كان يتألّم ويتعذّب كثيراً عندما يرى الجاهلين العنودين يتركون سبيل الله مع تلك الدلائل البيّنة والعلامات الواضحة، ويسلكون سبيل الغيّ والضلال، وكان يغتمّ إلى درجة أنّ الله تعالى كان يسلّي خاطره في عدّة مرّات، وهذا دأب وحال المرشد والقائد الحريص المخلص.
فلا تحزن أن تكفر جماعة من الناس، ويظلموا ويجوروا وهم متنعّمون بالنعم الإلهيّة ولا يعاقبون، فلا عجلة في الأمر، إذ: (إلينا مرجعهم فننبّئهم بما عملوا) فإنّنا مطّلعون على أسرارهم ونيّاتهم كإطّلاعنا على أعمالهم، فـ: (إنّ الله عليم بذات الصدور).
إنّ تعبير: إنّ الله ينّبىء الناس في القيامة بأعمالهم، أو أنّه تعالى ينبّئهم بما كانوا فيه يختلفون، قد ورد في آيات كثيرة من القرآن المجيد، وبملاحظة أنّ (ننبّئكم) من مادّة (نبأ) والنبأ - على ما أورده الراغب في مفرداته - يقال للخبر الذي ينطوي على محتوى وفائدة مهمّة، وهو صريح وخال من كلّ أشكال الكذب، سيتّضح أنّ هذه التعبيرات تشير إلى أنّ الله سبحانه يفشي ويفضح أعمال البشر بحيث لا يبقى لأحد أيّ إعتراض وإنكار، فهو يظهر ما عمله الناس في هذه الدنيا ونسوه أو تناسوه، ويهيّؤه للحساب والجزاء، وحتّى ما يخطر في قلب الإنسان ولم يطّلع عليه إلاّ الله تعالى، فإنّه سبحانه سيذكرهم بها.
﴿وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ﴾ يغمك ﴿كُفْرُهُ﴾ فإنه لا يضرك ﴿إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا﴾ بالعقاب عليه ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بما فيها كغيره فيجازي عليه.