ثمّ تجسّد وضع هؤلاء المجرمين الكافرين ومنكري المعاد الذين يندمون في القيامة أشدّ الندم على ما كان منهم لدى مشاهدة مشاهدها ومواقفها المختلفة، فتقول: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون)(5).
ستعجب حقّاً! أهؤلاء النادمون الناكسو الرؤوس هم اُولئك المتكبّرون العتاة العصاة الذين لم يكونوا يذعنون في الدنيا لأيّة حقيقة؟! إلاّ أنّهم الآن يتغيّرون تماماً عند رؤية مشاهد القيامة ويصلون إلى مستوى الشهود، لكنّ هذا الوعي وتغيير الموقف سريع الزوال، فإنّهم - وطبقاً لآيات القرآن الاُخرى - لو رجعوا إلى هذه الدنيا لعادوا إلى حالتهم الاُولى، الأنعام ( الآية 28).
"الناكس" من مادّة (نكس) على وزن (كلب) بمعنى إنقلاب الشيء، وهنا يعني خفض الرأس إلى الأسفل وطأطأته.
تقديم "أبصرنا" على "سمعنا" لأنّ الإنسان يرى المشاهد والمواقف أوّلا، ثمّ يسمع إستجواب الله والملائكة.
ويتبيّن ممّا قلناه أنّ المراد من "المجرمين" هنا الكافرون، وخاصّة منكري القيامة.
وعلى كلّ حال، فليست هذه المرّة الاُولى التي نواجه فيها هذه المسألة في آيات القرآن، وهي أنّ المجرمين يندمون أشدّ الندم عند مشاهدة نتائج الأعمال والعذاب الإلهي، ويطلبون الرجوع إلى الدنيا، في حين أنّ مثل هذا الرجوع غير ممن في السنّة الإلهية، كما أنّ رجوع الطفل إلى رحم الاُمّ، والثمرة المقطوفة إلى الشجرة غير ممكن.
والجدير بالذكر أنّ طلب المجرمين الوحيد هو الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحاً، ومن هنا يتّضح جيّداً أنّ رأس مال النجاة الوحيد في القيامة هو الأعمال الصالحة... تلك الأعمال التي تنبع من قلب طاهر مليء بالإيمان، وتتمّ بخالص النيّة.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ خجلا وندامة قائلين ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ صدق وعدك ﴿وَسَمِعْنَا﴾ منك تصديق رسلك ﴿فَارْجِعْنَا﴾ إلى الدنيا ﴿نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ الآن فما ينفعهم ذلك وجواب لو لرأيت أسوأ حال والمضي فيها وفي إذ لتحقق الوقوع ولا مفعول ل ترى لأنها بصرية.