لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
إنّه عزّوجلّ سَيَفِي بوعيده حتماً - وخاصّة بملاحظة لام القسم في جملة (لأملأنّ) ونون التوكيد في آخرها - وسيملأ جهنّم من أصحابها هؤلاء، وإن لم يفعل فذلك خلاف الحكمة، ولذلك تقول الآية التالية: إنّا سنقول لأصحاب النار (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنّا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون). مرّة اُخرى يستفاد من هذه الآية أنّ نسيان محكمة القيامة العادلة هو الأساس لكلّ تعاسة وشقاء للإنسان، لأنّه سيرى نفسه في هذه الصورة حرّاً إزاء إرتكاب القبائح والظلم والعدوان. وكذلك يستفاد من الآية بوضوح أنّ العقاب الأبدي للفرد معلول لما إرتكبه من أعمال في دار الدنيا، لا لشيء آخر. وضمناً يتّضح أنّ المراد من "نسيان الله" هو عدم رعايته ونصرته لهم، وإلاّ فإنّ جميع العالم حاضر دوماً عند الله، ولا معنى للنسيان بالنسبة له عزّوجلّ. مسألتان 1- إستقلال الروح وأصالتها الآية الاُولى من الآيات مورد البحث، والتي لها دلالة على قبض الأرواح بواسطة ملك الموت، من أدلّة إستقلال روح الإنسان، لأنّ التعبير بالتوفّي (والذي يعني القبض) يوحي بأنّ الروح تبقى بعد إنفصالها عن البدن ولا تفنى. والتعبير عن الإنسان في الآية بالروح أو النفس في الآية أعلاه شاهد آخر على هذا المعنى، لأنّ الروح - وفق نظرية الماديّين - ليست إلاّ الخواص الفيزيائية والكيميائية للخلايا المخيّة، وهي تفنى بفنائها، تماماً كما تفنى حركات عقارب الساعة بعد فنائها وتحطّمها. وطبقاً لهذه النظرية فإنّ الروح ليست هي المحافظة على شخصية الإنسان، بل هي جزء من خواصّ جسمه تتلاشى عند تلاشي جمسه. ولدينا أدلّة فلسفية عديدة على أصالة الروح وإستقلالها، ذكرنا بعضاً منها في ذيل الآية ( رقم 85) من سورة الإسراء، والمراد هنا بيان الدليل النقلي على هذا الموضوع، حيث تعتبر الآية أعلاه من الآيات الدالّة على هذا المعنى. 2- ملك الموت يستفاد من آيات القرآن المجيد أنّ الله سبحانه يدبّر اُمور هذا العالم بواسطة مجموعة من الملائكة، كما في من سورة النازعات حيث يقول: (فالمدبّرات أمراً)ونعلم أنّ السنّة الإلهيّة قد جرت على أن تمضي الاُمور بأسبابها. وقسم من هؤلاء الملائكة هم الملائكة الموكّلون بقبض الأرواح، والذين أشارت إليهم الآيات (28 و33) من سورة النحل، وبعض الآيات القرآنية الاُخرى، وعلى رأسهم ملك الموت. وقد رويت أحاديث كثيرة في هذا الباب، تبدو الإشارة إلى بعضها لازمة من جهات: 1- في حديث روي عن الرّسول الأكرم (ص) أنّه قال: "الأمراض والأوجاع كلّها بريد الموت ورسل الموت! فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه فقال: ياأيّها العبد، كم خبر بعد خبر؟ وكم رسول بعد رسول؟ وكم بريد بعد بريد؟ أنا الخبر الذي ليس بعدي خبر! وأنا الرّسول أجب ربّك طائعاً أو مكرهاً. فإذا قبض روحه وتصارخوا عليه، قال: على مَن تصرخون؟ وعلى من تبكون؟ فوالله ما ظلمت له أجلا، ولا أكلت له رزقاً، بل دعاه ربّه، فليبك الباكي على نفسه، وإنّ لي فيكم عودات وعودات حتّى لا اُبقي فيكم أحداً"(6). طالعوا هذا الحديث المروّع مرّة اُخرى، فقد اُخفيت فيه حقائق كثيرة. 2- وفي حديث عن الإمام الباقر (ع): "دخل رسول الله على رجل من الأنصار يعوده، فإذا ملك الموت عند رأسه، فقال رسول الله: ياملك الموت، ارفق بصاحبي فإنّه مؤمن، فقال: أبشر يامحمّد، فإنّي بكلّ مؤمن رفيق، واعلم يامحمّد، أنّي لأقبض روح ابن آدم فيصرخ أهله، فأقوم في جانب الدار فأقول: والله، ما لي من ذنب، وإنّ لي لعودة وعودة، الحذر الحذر، وما خلق الله من أهل بيت ولا مدر ولا شعر ولا وبر، في برّ ولا بحر إلاّ وأنا أتصفّحهم في كلّ يوم وليلة خمس مرّات حتّى أنّي لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم"(7). وقد وردت روايات اُخرى بهذا المضمون في مختلف المصادر الإسلامية، تحذّر جميعاً كلّ البشر أنّ المسافة بينهم وبين الموت ليست كبيرة! ومن الممكن جدّاً أن ينتهي كلّ شيء في لحظة قصيرة. أيحسن بالإنسان والحال هذه أن يغترّ وينخدع بزخارف هذه الدنيا وزبرجها، ويتلوّث بأنواع المعاصي والظلامات، ويبقى غافلاً عن عاقبة أعماله؟! ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ جازيناكم بنسيانكم أو تركناكم من الرحمة ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والمعاصي.