لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول لمّا مات "عبد الرحمن بن ثابت الأنصاري" "أخو حسان بن ثابت" الشاعر المعروف في صدر الإِسلام وقد خلف امرأة وخمسة أخوان، اقتسم اخوانه ميراثه بينهم ولم يعطوا زوجته شيئاً ممّا تركه من المال، فشكت ذلك إِلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الآيات الحاضرة التي تبيّن وتحدد سهم الأزواج من الإِرث بنحو دقيق. كما نقل عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال: مرضت فعادني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأغمي عليَّ، فطلب النّبي ماء وتوضأ لبعضه وصب بعضه الآخر علي فأفقت فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي (أي كيف يجب أن يكون أمره من بعد وفاتي) فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يقل شيئاً، فنزلت آية المواريث تبيّن نظام الإِرث وتحدد أسهم الورثة. الإِرث حق طبيعي: قبل أن نعمد إِلى تفسير الآيات الحاضرة لابدّ أن نشير إِلى عدّة نقاط. أوّلا: قد يتصور كثيرون أنّ من الأفضل أن تعود أموال الشخص بعد وفاته إِلى الملكية العامّة، وأن تضاف إِلى بيت مال المسلمين، ولكن الإِمعان في هذا العمل يكشف لنا عن كونه خلاف العدل، لأن مسألة الإِرث والتوارث مسألة طبيعية منطقية جداً، فكما أن الأباء والأمهات ينقلون قسماً من صفاتهم الجسمية والروحية إِلى أبنائهم - حسب قانون الوراثة الطبيعي - فلماذا يستثنى من ذلك أموالهم فلا تنتقل إِلى أبنائهم؟ هذا مضافاً إِلى أنّ الأموال المشروعة هي نتاج جهود الإِنسان المضنية، ومساعيه وأتعابه فهي في الحقيقة طاقاته المتجسدة في صورة المال وهيئة الثروة، ولهذا لابدّ من الإِعتراف بأن كل شخص هو المالك الطبيعي لحاصل جهوده وثمرة أتعابه، وهذا هو حكم فطري. وعلى هذا، فعندما يمتنع أن يتصرف الشخص في أمواله بعد وفاته ويحال بينه وبين ثروته بسبب الموت، تصبح هذه الأموال من حق أقرب الناس إِليه، والذين يعتبرون - في الحقيقة - بشخصيتهم ووجودهم امتداداً لشخصيته ووجوده. على هذا الأساس نجد الكثيرين لا يتركون الكد والعمل، والكسب والتجارة حتى آخر لحظة من حياتهم رغم ما يملكون من ثراء طائل، وذلك لبغية أن ييوفروا لأبنائهم مستقب زاهراً ويقيموا لهم حياة سعيدة بعدهم، وهذا يعني أن الإِرث وقانون التوريث قادر على إعطاء العجلة الإِقتصادية دفعة قوية ويزيد من حركتها ودورانها ونشاطها، وأمّا إِذا عرف الشخص أنّ أمواله بعد موته، وامتناع تصرفه في تلك الأموال بسبب الوفاة تعود إِلى الملكية العامة، فإِنّه قد يفقد قسطاً كبيراً من نشاطه الإِقتصادي، ويصاب بالفتور والكسل. ويشهد بهذا الأمر ما وقع في فرنسا قبل حين، عندما أقدم مجلس النواب الفرنسي - كما قيل - على إِلغاء قانون الإِرث قبل مدّة وأقرّ بدل ذلك إِلحاق أموال يالأشخاص بعد موتهم إِلى خزانة الدولة، وصيرورتها أموا عامّة، فتؤخذ من قبل الدولة وتصرف في المصارف العامّة بحيث لا يحصل ورثة الميت على أي شيء من التركة، فكان لهذا القانون أثر سيء وظاهر على الحركة الإِقتصادية، فقد لوحظ اختلال كبير في أوضاع التصدير والإِستيراد، كما خف النشاط الإِقتصادي هناك بشكل ملحوظ، فأقلق ذلك بال الحكومة، وكان السبب الوحيد وراء هذه الحالة هو "إِلغاء قانون الإِرث" ممّا دفع بالدولة إِلى إِعادة النظر في هذا القرار. وعلى هذا لا يمكن إِنكار أن قانون الإِرث ومبدأ التوريث مضافاً إِلى كونه قانوناً طبيعياً فطرياً، له أثر قوي وعميق في تنشيط الحركة الأقتصادية. الإِرث في الأمم السابقة: لما كان لقانون الإرث جذوراً فطرية فإِنّه شوهد وجود الإِرث والتوريث في الشعوب والأمم السابقة في أشكال وصور مختلفة. أمّا بين اليهود - وإِن ادعى البعض عدم وجود مبدأ التوارث عندهم - ولكننا حينما نراجع التوراة نجدها تذكر هذا القانون في سفر الأعداد بصورة صريحة إِذ يقول: يوتكلم بني إسرائيل قائ: أيّما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إِلى إِبنته، وإن لم تكن له إِبنة تعطوا ملكه لإِخوته، وإن لم يكن له أخوة تعطوا ملكه لإخوة أبيه، وإن لم يكن لأبيه أخوة تعطوا ملكه لنسيبه الأقرب إليه من عشيرته فيرثه فصارت لبني إسرائيل فريضة قضاءاً كما أمر الرّب موسى(1) يدور لدى بني إسرائيل. ويستفاد من هذه العبارات أنّ مبدأ التوارث كان على محور النسب فقط، ولهذا لم يرد ذكر عن سهم الزوجة في الميراث. وأمّا في الدين النصراني فالمفروض أن يكون مبدأ الإرث المذكور في التوراة معتبراً أيضاً، وذلك لما نقل عن المسيح(عليه السلام) من أنّه قال: "أنا لم أبعث لأُغير من أحكام التوراة شيئاً" ولهذا لا نجد في كتابات الفتاوى الدينية أي كلام حول الإِرث، نعم ورد في هذه الكتب بعض مشتقات الإِرث في بعض الموارد، ولكنها تعني جميعاً الإِرث المعنوي الأُخروي. هذا وقد كان التوارث لدى العرب الجاهليين يتحقق بإِحدى هذه الطرق الثلاث: 1 - بالنسب، وكان المقصود منه عندهم هم الأبناء الذكور والرجال خاصّة، فلا يرث الصغار والنساء أبداً. 2 - بالتبني، وهو من طرده أهله من الأبناء، فتكفله وتبناه شخص آخر أو عائلة أُخرى، وفي هذه الصورة يتحقق التوارث بين المتبني والمتبني له. 3 - بالعهد، يعني إِذا تعاهد شخصان أن يدافع كل واحد منهما عن الآخر طيلة حياتهما ويرث أحدهما الآخر بعد وفاته، فإِنّه يقع التوارث بينهما بعد وفاة أحدهما. وقد حرّر الإِسلام قانون الإِرث الطبيعي الفطري مما علق به من الخرافات، ولحق به من رواسب التمييز العنصري الظالم الذي كان يفرق بين الرجل والمرأة حيناً، وبين الكبار والأطفال حيناً آخر، وجعل ملاك التوارث في ثلاثة أُمور لم تكن معروفة إِلى ذلك الحين: 1 - النّسب وذلك بمفهومه الوسيع، وهم كل علاقة تنشأ بين الأشخاص بسبب الولادة في مختلف المستويات من دون فرق بين الرجال والنساء والصغار والكبار. 2 - السبب وهي العلاقات الناشئة بين الأفراد بسبب المصاهرة والتزاوج. 3 - الولاء وهي العلاقات الناشئة بين شخصين من غير طريق القرابة (السبب والنسب) مثل ولاء العتق، يعني إِذا أعتق رجل عبده، ثمّ مات العبد يوخلف من بعده ما ولم يترك أحداً ممن يرثونه بالسبب أو النسب، ورثه المعتق، وفي هذا حيث على التحرير والإِعتاق، وكذلك ولاء ضمان الجريرة، وهو أن يركن شخص إِلى آخر - لا سبب بينهما ولا نسب - ويتعاهدان أن يضمن كل منهما جناية الآخر ويدافع كل منهما عن الآخر، ويكون إِرث كل منهما للآخر، و"ولاء الإِمامة" يعنى إِذا مات أحد ولم يترك من يرثونه ممن ذكر ورثه الإِمام(عليه السلام)، أي أن أمواله تنتقل إِلى بيت المال الإِسلامي، وتصرف في شؤون المسلمين العامّة. هذا، ولكل واحدة من هذه الطبقات أحكام وشرائط خاصّة مذكورة في الكتب الفقهية المفصلة. التّفسير قال الله تعالى في الآية الأُولى من هذه الآيات (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأُنثيين) وهو بذلك يشير إلى حكم الطبقة الأُولى من الورثة (وهم الأولاد والآباء والأُمهات)، ومن البديهي أنّه لا رابطة أقوى وأقرب من رابطة الأُبوة والبنوة ولهذا قدموا على بقية الورثة من الطبقات الاُخرى. ثمّ إنّ من الجدير بالإهتمام من ناحية التركيب اللفظي جعل الأُنثى هي الملاك والأصل في تعيين سهم الرجل، أي أن سهمها من الإِرث هو الأصل، وإِرث الذكر هو الفرع الذي يعرف بالقياس على نصيب الأُنثى من الإِرث إِذ يقول سبحانه: (وللذكر مثل حظ الأُنثيين)، وهذا نوع التأكيد على توريث النساء ومكافحة للعادة الجاهلية المعتدية القاضية بحرمانهن من الإِرث والميراث، يحرماناً كام. وأمّا فلسفة هذا التفاوت بين سهم الأُنثى والذكر فذلك ما سنتعرض له عمّا قريب إِن شاء الله. ثمّ يقول سبحانه وتعالى: (فإِن كن نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك) أي لو زادت بنات الميت على اثنتين فلهن الثلثان أي قسم الثلثان بينهن. ثمّ قال (وإِن كانت واحدة فلها النصف) أي لو كانت البنت واحدة ورثت النصف من التركة. وها هنا سؤال: القرآن يقول في هذا المجال "فوق اثنتين" أي لو كانت بنات الميت أكثر من بنتين استحققن ثلثي التركة يقسّم بينهن، وهذا يعني أن القرآن ذكر حكم البنت الواحدة، وحكم البنات فوق اثنتين، وسكت عن حكم "البنتين"، فلماذا؟ الجواب: بملاحظة المقطع الأوّل من الآية الحاضرة يتضح جواب هذا السؤال، ونعني قوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأُنثيين) ، ولو إِجمالا، لأن ورثة الميت إِن انحصروا في ابن واحد وبنت واحدة كان للابن الثلثان وللبنت الثلث، فإِذا كانتا بنتين كان لهما الثلثان حسب هذه العبارة. وخلاصة القول: أنّه إِذا قال للذكر مثل حظ الأُنثيين وكان أوّل العدد ذكراً وأُنثى وللذكر الثلثان وللأُنثى الثلث، عُلِمَ من ذلك أن للبنتين الثلثين، ولعل لوضوح هذا الأمر لم تتعرض الآية لبيانه (أي للذكر سهم الأختين) واكتفت بذكر سهم البنات المتعددات فوق اثنتين، وهو الثلثان. على أن هذا المطلب يتّضح أيضاً بمراجعة الآية الأخيرة من سورة النساء، لأنّها جعلت نصيب الأُخت الواحدة النصف (مثل نصيب البنت الواحدة) ثمّ تقول: (فإِن كانتا اثنتين فلهما الثلثان) فمن هذا يتضح أن سهم البنتين هو الثلثان أيضاً. هذا مضافاً إِلى ورود مثل هذا التعبير في الأدب العربي، إِذ يقول العرب أحياناً "فوق اثنتين" ويكون مرادهم هم "اثنتان فما فوق". وبغض النظر عن كل ما قيل أنّ الحكم المذكور من الأحكام القطعية المسلمة من وجهة نظر الفقه الإِسلامي والأحاديث الشريفة، والرجوع إِلى السنة المطهرة (أي الأحاديث) كفيل برفع أي إِبهام في الجملة المذكورة إِن كان. لماذا يرث الرّجل ضعف المرأة؟: مع أنّ ما يرثه الرجل هو ضعف ما ترثه المرأة، إِلاّ أنّه بالإِمعان والتأمل يتّضح أنّ المرأة ترث - في الحقيقة - ضعف ما يرثه الرجل إِذا لاحظنا القضية من جانب آخر، وهذا إِنّما هو لأجل ما يوليه الإِسلام من حماية لحقوق المرأة. توضيح ذلك: إِن هناك وظائف أنيطت بالرجل (وبالأحرى كلِّف بادائها تجاه المرأة) تقتضي صرف وإِنفاق نصف ما يحصل عليه الرجل على المرأة، في حين لا يجب على المرأة أي شيء من هذا القبيل. إِنّ على الرجل (الزوج) أن يتكفل نفقات زوجته حسب حاجتها من المسكن والملبس والمأكل والمشرب وغير ذلك من لوازم الحياة كما أن عليه أن ينفق على أولاده الصغار أيضاً، في حين أُعفيت المرأة من الإِنفاق حتى على نفسها، وعلى هذا يكون في إِمكان المرأة تدخر كل ما تحصله عن طريق الإِرث، وتكون نتيجة ذلك أن الرجل يصرف وينفق نصف مدخوله على المرأة، ونصفه فقط على نفسه، في حين يبقى سهم المرأة من الإِرث باقياً على حاله. ولمزيد من التوضيح نلفت نظر القارىء الكريم إِلى المثال التالي: لنفترض أنّ مجموع الثروات الموجودة في العالم والتي تقسم تدريجاً - عن طريق الإِرث - بين الذكور والإِناث هو (30) ميليارد دينار، والآن فلنحاسب مجموع ما يحصل عليه الرجال ونقيسه بمجموع ما تحصل عليه النساء عن طريق الإِرث. فلنفترض أن عدد الرجال والنساء متساو فتكون حصة الرجال هو (20) ميليارداً، وحصة النساء هي (10) ميلياردات. وحيث أن النساء يتزوجن - غالباً - فإِن الإِنفاق عليهنّ يكون من واجب الرجال، وهذا يعني أن تحتفظ النساء بـ (10) ميلياردات (وهو سهمهنّ من الإِرث)، ويشاركن الرجال في العشرين ميليارداً، لأن على الرجال أن يصرفوا من سمهمهم على زوجاتهم وأطفالهم. وعلى هذا يصرف الرجال (10) ميلياردات على النساء (وهو نصف سهمهم من الإِرث) فيكون مجموع ما تحصل عليه النساء ويملكنه هو (20) ميليارداً وهو ثلثا الثروة العالمية في حين لا يعود من الثروة العالمية على الرجال إِلاّ (10) ميلياردات، أي ثلث الثروة العالمية (وهو المقدار الذي يصرفه الرجال على أنفسهم). وتكون النتيجة أنّ سهم المرأة التي تصرفه وتستفيد منه وتتملكه واقعاً هو ضعف سهم الرجل، وهذا التفاوت إنّما لكونهنّ أضعف من الرجال على كسب الثروة وتحصيلها (بالجهد والعمل)، وهذا - في حقيقته - حماية منطقية وعادلة قام بها الإِسلام للمرأة، وهكذا يتبيّن أنّ سهمها الحقيقي أكثر - في النظام الإِسلامي - وإِن كان في الظاهر هو النصف. ومن حسن الصدف أنّنا نقف على هذه النقطة إِذا راجعنا التراث الإِسلامي حيث أنّ هذا السؤال نفسه قد طرح منذ بداية الإِسلام وخالج بعض الأذهان، فكان الناس يسألون أئمّة الدين عن سرّ ذلك بين حين وآخر، وكانوا يحصلون على إِجابات متشابهة في مضمونها - على الأغلب - وهو أن الله إِذ كلف الرجال بالإِنفاق على النساء وأمهارهنّ، جعل سهمهم أكثر من سهمهنّ. إِن أبا الحسن الرضا(عليه السلام) كتب إِليه في ما كتب من جواب مسائله علّة إِعطاء النساء نصف ما يعطي الرجال من الميراث: لأن المرأة إِذا تزوجت أخذت، والرجل يعطي، فلذلك وفرّ على الرجال، وعلُة أُخرى في إِعطاء الذكر مثل ما يعطى الأُنثى لأن الأُنثى من عيال الذكر إِن احتاجت، وعليه أن يعولها وعليه نفقتها، وليس على المرأة أن تعول الرجل ولا تؤخذ بنفقته إِن احتاج فوفرّ على الرجال لذلك(2). إِرث الأب والأُمّ: وأمّا ميراث الآباء والأُمهات الذين هم من الطبقة الأُولى، وفي مصاف الأبناء أيضاً، فإِن له كما ذكرت الآية الحاضرة (أي الآية الأُولى من هذه المجموعة) ثلاث حالات هي: الحالة الأُولى: إِنّ الشخص المتوفى إِن كان له ولد أو أولاد، ورث كل من الأب والأُمّ السدس: (ولأبويه لكل واحد منهما السّدس ممّا ترك إِن كان له ولد). الحالة الثّانية: إِن لم يكن للمتوفى ولد، وانحصر ورثته في الأب والأُمّ، ورثت الأُمّ ثلث ما ترك، يقول سبحانه: (فإِن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأُمّه الثلث)وإِذا كنّا لا نجد هنا أي ذكر عن سهم الأب فلان سهمه واضح وبيّن وهو الثلثان، هذا مضافاً إِلى أنّه قد يخلف الميت زوجة فينقص في هذه الصورة من سهم الأب دون سهم الأُم، وبذلك يكون سهم الأب متغيّراً في الحالة الثانية. الحالة الثالثة: إِذا ترك الميت أباً وأُمّاً وأُخوة من أبويه أو من أبيه فقط، ولم يترك أولاداً، ففي مثل هذه الحالة ينزل سهم الأُم إِلى السدس، وذلك لأن الأخوة يحجبون الأُم عن إِرث المقدار الزائد عن السدس وإِن كانوا لا يرثون، ولهذا يسمى أخوة الميت بالحاجب، وهذا ما يعنيه قول الله سبحانه: (فإِن كان له أخوة فلأُمّه السدس). وفلسفة هذا الحكم واضحة، إِذ وجود أُخوة للميت يثقل كاهل الأب، لأن على الأب الإِنفاق على أُخوة الميت حتى يكبروا، بل عليه أيضاً أن ينفق عليهم بعد أن يكبروا، ولهذا يوجب وجود أخوة للميت من الأبوين أو من الأب خاصّة تدني سهم الأُمّ، ولا يوجب تدني سهم الأب، ولا يحجبونها عن إِرث ما زاد على السدس إِذا كانوا من ناحية الأُمّ خاصّة، إِذ لا يجب لهم على والد الميت شيء من النفقات. كما هو واضح. سؤال: ويردهنا سؤال، وهو أن القرآن استعمل في المقام صيغة الجمع إِذ قال: (فإِن كان له أُخوة) ونحن نعلم أن أقل الجمع هو ثلاثة، في حين يذهب جميع الفقهاء إِلى أن الأخوين يحجبان أيضاً، فكيف التوفيق بينهما؟ الجواب: إِنّ الجواب يتّضح من مراجعة الآيات القرآنية الاُخرى، وإذ لا يلزم أن يكون المراد كلّما استعملت صيغة الجمع، الثلاثة فما فوق، بل استعملت أحياناً على شخصين فقط كما في الآية (78) من سورة الأنبياء (وكنّا لحكمهم شاهدين). والآية ترتبط بقضاء داود وسليمان، وقد استخدم القرآن الكريم ضمير الجمع في شأنهما، فقال "لحكمهم". ومن هنا يتّضح أنّه قد تستعمل صيغة الجمع في شخصين أيضاً، ولكن هذا يحتاج طبعاً إلى قرينة وشاهد، والشاهد في المقام هو ورود الدليل من أئمّة الدين على ذلك، وإجماع المسلمين، إذ أجمع فقهاء المسلمين سنة وشيعة (إلاّ ابن عباس) إِن الحكم المذكور في الآية يشمل الأخوين أيضاً. الإِرث بعد الوصية والدّين: ثمّ إنّ الله سبحانه يقول: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) فلابدّ من تنفيذ يما أوصى به الميت من تركته، أو أداء ما عليه من دين أوّ، ثمّ تقسيم البقية بين الورثة. (وقد ذكرنا في باب الوصية أنّ لكل أحد أن يوصي بأُمور في مجال الثلث الخاص به فقط، فلا يصح أن يوصي بما زاد عن ذلك إِلاّ أن يإِذن الورثة بذلك). ثمّ قال سبحانه: (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيّهم أقرب لكم نفعاً) وهذه العبارة تفيد أن قانون الإرث المذكور قد أرسى على أساس متين من المصالح الواقعية، وأن تشخيص هذه المصالح بيد الله، لأن الإِنسان يعجز عن تشخيص مصالحه ومفاسده جميعاً، فمن الممكن أن يظن البعض أنّ الآباء والأُمهات أكثر نفعاً لهم، ولذلك فهم أولى بالإِرث من الأبناء وإِن عليه أن يقدمهم عليهم، ومن الممكن أن يظن آخرون العكس، ولو كان أمر الإِرث وقسمته متروكاً إِلى الناس لذهبوا في ذلك ألف مذهب، ولآل الأمر إِلى الهرج والمرج والفوضى، وانتهى إِلى الإِختلاف والتشاجر، ولكن الله الذي يعلم بحقائق الأُمور كما هي أقام قانون الإِرث على نظام ثابت يكفل خير البشرية ويتضمّن صلاحها... ولأجل أن يتأكد كل ما ذكر من الأُمور، ويتخذ صفة القانون الذي لا يحتمل الترديد، ولا يكون فيه للناس أي مجال نقاش، يقول سبحانه: (فريضة من الله إِنّ الله كان عليماً حكيماً) وبذلك يقطع الطريق على أي نقاش في مجال القوانين المتعلقة بالأسهم في الإِرث. ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ﴾ يأمركم ويعهد إليكم ﴿فِي أَوْلاَدِكُمْ﴾ في شأن ميراثهم ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ إذا اجتمع الصنفان وقدم الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك ﴿فَإِن كُنَّ﴾ مولودات ﴿نِسَاء﴾ خلصا ليس معهن ذكر ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ خبر ثان أو صفة النساء ﴿فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ الميت ﴿وَإِن كَانَتْ﴾ أي المولودة ﴿وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ وحكم الاثنتين حكم ما فوقها إجماعا مما عدا ابن عباس ويعضده أن للواحدة الثلث مع أخيها فأولى أن تستحق مع أخت مثلها وإن للأختين الثلثين والبنتان ليس رحما ﴿وَلأَبَوَيْهِ﴾ لأبوي الميت ﴿ظُلْمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ﴾ للميت ﴿وَلَدٌ﴾ وإن نزل ذكرا أو أنثى متعددا أو لا لكنهما يشاركان البنت في الباقي بعد السهام فيقسم أخماسا ﴿فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ مما ترك أجمع ولو مع أحد الزوجين عندنا وثلث ما بقي بعد نصيبه عند الجمهور ولم يذكر ما للأب لظهور أن له الباقي ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ اثنان فصاعدا لأب أو لأبوين وتنوب الأختان ذكرا ﴿فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ يحجبها الإخوة عن الثلث إلى السدس ولا يرثون ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ للإباحة وتفيد تساويهما في وجوب التقديم على القسمة انفردا أم اجتمعا وقدمت الوصية على الدين مع تقدمه شرعا اهتماما بشأنها لأنها شاقة على الورثة لشبهها بالإرث فهي مظنة التفريط بخلاف الدين لاطمئنانهم إلى أدائه ﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾ اعتراض مؤكد لأمر القسمة أو تنفيذ الوصية أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم فاقسموا على ما بينه الله ﴿فَرِيضَةً﴾ مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة ﴿مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما﴾ بالمصالح ﴿حَكِيمًا﴾ فيما فرض.