التّفسير
شرط الإمامة: الصبر والإيمان:
تشير الآيات مورد البحث إشارة قصيرة وعابرة إلى قصّة "موسى" (ع) وبني إسرائيل لتسلّي نبيّ الإسلام (ص) والمؤمنين الأوائل وتطيّب خواطرهم، وتدعوهم إلى الصبر والتحمّل والثبات أمام تكذيب وإنكار المشركين التي اُشير إليها في الآيات السابقة، ولتكون بشارة للمؤمنين بإنتصارهم على القوم الكافرين العنودين كما إنتصر بنو إسرائيل على أعدائهم وأصبحوا أئمّة في الأرض.
ولمّا كان موسى (ع) نبيّاً جليلا يؤمن به كلّ من اليهود والنصارى، فإنّه يكون حافزاً على توجّه أهل الكتاب نحو القرآن والإسلام.
تقول الآية أوّلا: (ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه) أي فلا تشكّ أو تتردّد في أنّ "موسى" قد تلقّى آيات الله، وقد جعلنا كتاب موسى "التوراة" وسيلة لهداية بني إسرائيل (وجعلناه هدىً لبني إسرائيل).
ثمّة إختلاف بين المفسّرين في عودة الضمير في قوله: (من لقائه)، وقد إحتملوا في ذلك سبعة إحتمالات أو أكثر، إلاّ أنّ أقربها هو عودته إلى الكتاب - كتاب موسى السماوي، أي "التوراة" - كما يبدو، وله معنى المفعول وفاعله موسى، وبناءً على هذا فإنّ المعنى الكلّي لهذه الجملة يصبح: لا تشكّ في أنّ موسى(ع)تلقّى الكتاب السماوي الذي اُلقي إليه من قبل الله تعالى.
والشاهد القويّ على هذا التّفسير هو أنّه قد وردت في الآية أعلاه ثلاث جمل، تتحدّث الجملتين الاُولى والأخيرة عن التوراة قطعاً، فمن المناسب أن تتابع الجملة الوسط هذا المعنى أيضاً، لا أن تتحدّث عن القيامة أو القرآن المجيد حيث ستكون جملة معترضة في هذه الصورة، ونعلم أنّ الجملة المعترضة خلاف الظاهر، وما دمنا في غنىً عنها فلا ينبغي التوجّه إليها.
السؤال الوحيد الذي يبقى في هذا التّفسير هو إستعمال كلمة (لقاء) في مورد الكتاب السماوي، حيث إنّ هذه الكلمة قد إستعملت في القرآن الكريم غالباً بإضافتها إلى الله أو الربّ أو الآخرة وأمثالها، وهي إشارة إلى القيامة.
ولهذا السبب رجّح البعض كون الآية أعلاه تتحدّث أوّلا عن نزول التوراة على موسى، ثمّ تأمر نبيّ الإسلام (ص) أن لا تشكّ في لقاء الله ومسألة المعاد، ثمّ تعود إلى مسألة التوراة، لكن في هذه الصورة ينهار الإنسجام بين جمل هذه الآية ويزول التناسب فيما بينها.
غير أنّه ينبغي الإلتفات إلى أنّ تعبير "لقاء" وإن لم يستعمل في القرآن في مورد الكتب السماوية، إلاّ أنّ الإلقاء والتلقّي قد إستعمل مراراً في هذا المعنى، كما في الآية ( رقم 25) من سورة القمر: (أاُلقي الذكر عليه من بيننا).
ونقرأ في قصّة سليمان وملكة سبأ أنّها قالت عندما وصلتها رسالة سليمان: (إنّي اُلقي إليّ كتاب كريم).
وفي نفس هذه السورة "سورة سليمان" في نقرأ في شأن القرآن الكريم (وإنّك لتلقّى القرآن من لدن حكيم عليم).
بناءً على هذا فإنّ فعل الإلقاء والتلقّي قد إستعمل مراراً في هذا المورد، بل وحتّى نفس فعل اللقاء قد إستعمل في مورد صحيفة أعمال الإنسان، فنقرأ في الآية ( رقم 13) من سورة الإسراء: (ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً).
ومن مجموع ما قلناه يتّضح ترجيح هذا التّفسير على سائر الإحتمالات التي إحتملت في الآية أعلاه(1).
لكن ينبغي الإلتفات إلى أنّ النّبي (ص) لم يشكّ في مثل هذه المسائل مطلقاً، بل إنّ مثل هذه التعبيرات تستعمل عادةً لتأكيد المطلب، وليكون نموذجاً للآخرين.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ كما آتيناك ﴿فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ﴾ في شك ﴿مِّن لِّقَائِهِ﴾ من لقائك الكتاب نحو وإنك لتلقى القرآن أو من لقائك موسى ليلة الإسراء ﴿وَجَعَلْنَاهُ﴾ أي كتاب موسى ﴿هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.