لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سهم الأزواج بعضهم من بعض: في الآية السابقة أشير إِلى سهم الأولاد والآباء والأُمهات، وفي الآية التي تليها يقول الله سبحانه: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولد)ويشير سبحانه إِلى كيفية إِرث الزوجين بعضهما من بعض، فإِن الزوج يرث نصف ما تتركه الزوجة هذا إِذا لم يكن للزوجة ولد، فإِن كان لها ولد أو أولاد (ولو من زوج آخر) ورث الزوج ربع ما تتركه فقط، وإِلى هذا يشير تعالى في نفس الآية: (فإن كان لهنّ ولد فلكم الربع مما تركن). على أن هذا التقسيم يجب أن يتمّ بعد تنفيذ وصايا المتوفاة، أو تسديد ما عليها من ديون كما يقول سبحانه: (من بعد وصية يوصين بها أو دين). وأمّا إرث الزوجة مما يتركه الزوج، فإِذا كان للزوج أولاد (وإِن كانوا من زوجة أُخرى) ورثت الزوجة الثمن لقوله سبحانه: (فإِن كان لكم ولد فلهنّ الثمن ممّا تركتم). ويكون لها الربع إِن لم يكن للزوج الميت ولد لقوله سبحانه: (ولهنّ الربع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولد). على أنّ هذا التقسيم يجب أن يتمّ أيضاً من بعد تنفيذ وصايا الميت أو تسديد ديونه من أصل التركة: (من بعد وصية توصون بها أو دين). والملفت للنظر في المقام هو انخفاض سهام الأزواج إِلى النصف إذا كان للميت ولد، وذلك رعاية لحال الأولاد. وأمّا العلّة لكون سهم الأزواج ضعف سهم الزوجات فهي ما ذكرناه في البحث السابق حول علّة الفرق بين سهم الذكر والأُنثى. ثمّ إنّ هاهنا نقطة مهمة يجب التنبيه إِليها أيضاً، وهي أنّ السهم المعين للنساء (سواء الربع أو الثمن) خاص بمن ترك زوجة واحدة فقط (فإِنّها ترث كل الربع أو كل الثمن) وأمّا إذا ترك الميت زوجات متعددة قسم ذلك السهم (الربع أو الثمن) بينهن بالتساوي، وهذا هو ما يدل عليه ظاهر الآية مورد البحث أيضاً. إرث أُخوة الميت وأخواته: ثمّ أنّه سبحانه بعد أن يذكر سهم الأزواج بعضهم من بعض، يعمد إِلى ذكر أسهم أُخوة الميت وأخواته فيقول: (وإن كان رجل يورث كلالة...). وفي هذه العبارة نواجه مصطلحاً جديداً ورد في موضعين من القرآن فقط، أحدهما، في الآية المبحوثة هنا، والثاني، في آخر آية من سورة النساء وهي كلمة "كلالة". إِنّ ما يستفاد من كتب اللغة هو اشتقاق كلالة من الكلال، وهو ذهاب القوّة، فقد جاء في صحاح اللغة: الكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوّة. ولكنّها استعملت في ما بعد في أُخوة الميت وأخواته الذين يرثونه، ولعل التشابه يبن المعنى الأوّل والثّاني هو أن الأُخوة والأخوات يعتبرون من الطبقة الثانية في طبقات الإِرث، وهم لا يرثون إِلاّ مع عدم وجود الأب والأُمّ والأولاد للميت ومثل هذا الفاقد للأب والأُم والأبناء لابدّ أن يعاني من الضعف الشديد، وذهاب القوّة، ولهذا قيل له كلالة، قال الراغب في كتابه المفردات: "الكلالة اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة". وروي أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عن الكلالة، فقال: من مات وليس له ولد ولاوالد، فجعله اسماً للميت، كلا القولين صحيح فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعاً. وأمّا تعبير القرآن الكريم عن أُخوة الميت وأخواته بالكلالة فلعله لأنّ على أمثال هؤلاء ممن عدموا الآباء والأُمهات والأولاد أن يعلموا أن أموالهم ستقع من بعدهم في أيدي من يمثلون ضعفه، ويدلون على ذهاب قوتهم، ولذلك ينبغي لهم أن يصرفوها في مواضع أكثر ضرورة ولزوماً، وينفقونها في سبيل المحتاجين وفي حفظ المصالح العامّة. عودة إِلى تفسير الآية: يقول الله سبحانه تعالى: (وإِن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أُخت فلكل واحد منهما السدس) أي إِن مات رجل ولم يترك إِلاّ أخاً أو أُختاً، أو ماتت امرأة ولم تترك سوى أخ أو أُخت، يورث كل منهما السدس من التركة، هذا إِذا كان الوارث أخاً واحداً وأُختاً واحدة. أمّا إِذا كانوا أكثر من واحد ورث الجميع ثلثاً واحداً، أي قسم مجموع الثلث بينهم: (فإِن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث). ثمّ أضاف القرآن: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) أي تكون قسمة الميراث هكذا بعد أن ينفذ الورثة من التركة ما أوصى به المتوفى، أو يسددوا ما عليه من ديون، ثمّ قال: (غير مضار) أي فيما إِذا لم يكن ما أوصى الميت بصرفه من الميراث وكذا الدين مضرّاً بالورثة، أي أن لا يكون أكثر من الثلث، لأن تجاوز الوصية أو الدين عن حد الثلث إِضرار، كما أنّه يتوقف إمضاء الزائد على الثلث على إِذن الورثة ورضاهم بذلك، أو أن يخبر الميت عن ديون كذباً، ليحرم ورثته عن الإِرث ويضرّ بهم، كما نصت على ذلك روايات كثيرة مروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام). ثمّ أنّه سبحانه للتأكيد على هذا الحكم يقول: (وصية من الله والله عليم حليم)أي أنّ هذا المطلب وصية من الله يجب أن تحترموها، لأنّه العالم بمصلحتكم وخيركم، فهو أمركم بهذا عن حكمة، كما أنّه تعالى عالم بنيات الأوصياء، هذا مع أنّه تعالى حليم لا يعاقب العصاة فوراً، ولا يأخذهم بظلمهم بسرعة. بحوث أُخرى عند هذه الآية: هذا وتجب والإِشارة - هنا - إِلى عدّة أُمور: 1 - إِنّ ما ورد في الآية السابقة حول إِرث الأخوة والأخوات وإِن كان في ظاهره مطلقاً يشمل الأُخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب وحده أو من الأُم وحدها، إِلاّ أنّه بملاحظة آخر آية من سورة النساء (التي يأتي تفسيرها قريباً) يتّضح أنّ المراد - هنا - هو الأُخوة والأخوات من جانب الأُم فقط (أي الذين ينتسبون إلى الميت من جانب الأُم فقط)، في حين أنّ المقصود في الآية الأخيرة من السورة هو الأُخوة والأخوات من جانب الأبوين أو من جانب الأب خاصّة (سنتعرض لذكر الأدلة على هذا الأمر عند تفسير الآية الأخيرة من هذه السورة إِن شاء الله). وعلى هذا الأساس فإِن الآيتين وإِن كانتا حول إِرث "الكلالة" (أي أخوة الميت وأخواته) ويبدو للنظر تعارض الآيتين، إلاّ أن التدبر والإِمعان في مضمون الآيتين يكشف لنا أنّ كل واحدة منهما تقصد طائفة خاصّة من أخوة الميت وأخواته، وأنّه لا تعارض بين مفاد الآيتين أبداً. 2 - من الواضح أن هذه الطبقة لا ترث إِلا عند فقدان الطبقة الأُولى (وهو الأب والأُم، والأولاد) مطلقاً، ويدل على ذلك قوله تعالى: (وأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)(3) كما تدل عليه روايات متظافرة وردت في هذا الصعيد تعين طبقات الإِرث، وترجح بعضها على البعض الآخر. 3 - إنّ لفظة (فهم شركاء في الثلث) تفيد أن أُخوة الميت وأخواته أي "الكلالة" إِن كانوا أكثر من أخ وأخت يقتسمون الثلث فيما بينهم بالتساوي، من دون فرق بين الذكور والإِناث، لأنّ المفهوم من "الشركاء في الثلث" هو تساوي الأسهم. 4 - يستفاد من الآية المبحوثة أنّه لا يحق للإِنسان أن يعترف بديون - كذباً - ليضرّ بالورثة ويضيع حقوقهم ويحرمهم من إِرثه، أنّه يجب عليه فقط أن يعترف - في آخر فرصة من حياته - بما عليه من الديون واقعاً، كما له أن يوصي بوصايا عادلة عبّر عنها في الروايات بأن تكون في حد "الثلث" وإِطاره. فقد وردت في روايات الأئمّة(عليهم السلام) - في هذا الصعيد - عبارات شديدة النكير على من يوصي بوصايا مضرّة بالورثة منها قولهم: "إنّ الضرار في الوصية من الكبائر"(4). إنّ الإِسلام الحنيف بسنّه لهذا القانون يكون قد حفظ للميت نفسه شيئاً من الحق في مسألة، إِذ يهيىء له إِمكانية الإِستفادة والإِنتفاع بمقدار الثلث، كما حفظ حقوق الورثة أيضاً حتى لا ينشأ في أفئدتهم أية ضغينة، وحتى لا تتزعزع وشائج المودّة وروابط القربى التي يجب أن تستمر بعد وفاة المورث. ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ﴾ وإن ترك ذكرا أو أنثى منكم أو من غيركم ﴿فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ في الصورتين ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ﴾ ولو من غيرهن ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ وتستوي الواحدة والأكثر منهن في الربع والثمن ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ﴾ وهو الميت ﴿يُورَثُ﴾ منه صفة لرجل ﴿كَلاَلَةً﴾ خبر كان أو الخبر يورث والكلالة حال من الضمير فيه والكلالة من ليس بولد ولا والد وأريد بها هنا الأخ أو الأخت من الأم خاصة ﴿أَو امْرَأَةٌ﴾ كذلك ﴿وَلَهُ﴾ لكل واحد منهما ﴿أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾ من الأم إجماعا ونصا وبها قرىء ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ﴾ يستوي الذكر والأنثى في القسمة ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ﴾ حال من فاعل يوصي على البناء للفاعل أو المدلول عليه بيوصى بالبناء للمفعول أي غير مضار لوارثه بالزيادة على الثلث أو قصد المضار بالوصية لا القربة أو الإيصاء بدين لا يلزمه ﴿وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ﴾ مصدر مؤكد ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ﴾ بمن ضاره وغيره ﴿حَلِيمٌ﴾ لا يعجل العقوبة ﴿تِلْكَ﴾ الأحكام المذكورة في اليتامى والوصايا والمواريث